الأحد، 13 فبراير 2011


الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة
 الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة |مع هيكل | تجربة حياة |الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة|تجربة حياة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل| مع هيكل 











حصريا و نقلا من جريدة الشروق

النصوص الكاملة لجميع لحلقات البرنامج التليفزيوني الأشهر عربياً

(تجربة حياة) والذي تبثه قناة الجزيرة

ويقدمه الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته.


[IMG]http://alghaslan.net/wp-*******/uploads/d987d98ad983d984.jpg[/IMG]







الجزء الاول 
قال الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل:

إن نظام الثورة الإسلامية فى إيران لايزال راسخا رغم الأحداث والتظاهرات التى أعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأضاف هيكل أن سلطة المرشد الأعلى على خامئنى لاتزال تحظى بالاحترام هناك والأطراف كلها تحتكم إليها.

ورأى هيكل خلال حوار مطول مع فضائية الجزيرة بثته فى وقت متأخر من ليلة أمس الأول أن ما حدث أدى إلى أن هيبة النظام فى إيران صارت على المحك، وعرض النظام إلى «فضيحة لا لزوم لها» بعد عملية «الشرشحة» التى صاحبت التظاهرات الرافضة لنتائج انتخابات الرئاسة.

وفى الحوار الذى أجراه حسين عبدالغنى مدير مكتب الجزيرة فى القاهرة، قال: إن هناك اغلبية انتخبت الرئيس محمود أحمدى نجاد، لكن هناك تدخلا حدث، فالبعض أراد حسم النتائج مبكرا حتى لا يتم الذهاب إلى مرحلة إعادة ثانية، مضيفا أن كل المرشحين المتنافسين هم أبناء الثورة الإيرانية ومنهم حسين موسوى و،بالتالى فإن الكارثة الكبرى تحدث عندما يكون العنصر الشخصى أكثر تأثيرا من الاختلاف بشأن السياسات وفى كل الأحوال فإن طول مدة بقاء النظام فى الحكم يترك بعض الثغرات .وأكد هيكل أن هناك استهدافا أمريكيا معلنا ضد نظام الثورة الإسلامية اقره الكونجرس واعتمد له 400 مليون دولار، كما أن إسرائيل لا تستطيع أن تنسى الخسارة الكبيرة التى تعرضت لها بسقوط نظام الشاه.

ولفت هيكل النظر إلى المتغير الجديد الذى صاحب هذه التظاهرات متمثلا في "التويتر" ، مشيرا إلى وجود 18 ألف موقع شكك فى الانتخابات حتى قبل ظهور نتائجها الرسمية ومعظم هذه المواقع كانت فى إسرائيل.

<الوضع الراهن الخطر فى إيران وتبعاته على الداخل الإيرانى، وعلى الاستراتيجية الدولية، والأهم من ذلك كله الصالح العربى، والصراع العربى ــ الإسرائيلى وعلى النظام العربى الرسمى الذى يبدو متفرجا على لعبة الشطرنج، ولايبدو مساهما بأى صورة من الصور ..فى مطلع الخمسينيات كتبت كتابك الشهير «إيران فوق بركان».. ويبدو أن إيران فوق بركان جديد.

ــ بعد المقدمة التى تقدمت بها ، محلى وإقليمى ودولي، أنا مهتم بإيران وأنت من حقك أن تذكرنى أن إيران فوق بركان، واقع الأمر أن اهتمامى بإيران شديد جدا، واهتمامى بالثورة الإيرانية شديد جدا، واهتمامى بإيران هو جزء من اهتمامى بمصر، واهتمامى بإيران هو أن مصر وإيران هما القوتان الأساسيتان فى الإقليم واحدة فى المشرق، وواحدة على حافة أفريقيا، وأعتبر نفسى واحدا من مدرسة الشرق فى مصر، وأساتذتها واحد مثل الدكتور عزمى، وعلى باشا ماهر وكلهم يتصورون أن أمن مصر ومستقبل مصر مرتبط باتجاهها شرقا أمام مدرسة أخرى ترى أن اتجاهنا نحو أوروبا والبحر المتوسط.

> حضرتك كنت معاهم فى كل التحولات الكبرى منها ثورة الخومينى.

ــ أنا مستغرب.. غريبة قوى كل 19 سنة، سنة 1959 مصدق وأنا كنت فيها، عام 1980 خومينى وما سبقها ومالحقها، 19 سنة، وأنا كنت فيها شوفته فى باريس، وفى قم، وغطيت بعض أحداث الثورة للصنداى تايمز، وكتبت كتابا تمت ترجمته إلى 29 لغة والأمريكان طبعوه وأختاروا له عنوان «القصة التى لم ترو» وأنا كنت مهتما بها، وهذه المرة الذى حدث فى إيران ليس تغييرا كبيرا على مستوى مصدق، وعلى مستوى ثورة الخوميني، لكننا أمام لحظة شديدة الحساسية جدا بالنسبة لإيران، مهتم بإيران أولا كبلد استراتيجى ولصالح الإقليم، وبالدرجة الأولى من منظور مصرى استراتيجى للإقليم.

> حضرتك إديت للموضوع عمق استراتيجي، لما بتقول إن الاهتمام بإيران مثل هذه اللحظة الحاسمة فى تاريخها هو اهتمام بالشأن المصرى والشأن العربى.

ــ خلينى أقولك أنا معجب ليه باللى حصل فى الثورة الإيرانية، وكما كنت مع الشاه ناقد لنظامه كصديق، وكنت ناقد لنظامه وحادثنى وحادثته فى أسباب قلقى، وفعلت نفس الشىء مع الإمام الخومينى.. أنا معجب بالثورة الإيرانية لأنها حركة إنسانية هائلة لكن فى هذا الكتاب أناقش عدة قضايا لى فيها رأى مختلف، وأظن مع الأسف الشديد مع مجرى الحوادث بيورينى أننى مكنتش غلطان قوى.

كنت مختلف معاه فى علاقة الدين بالسياسة وهو كان يقول لى أنه اصطناع ووهم خلقه الغرب وأن السياسة داخلة فى الدين لأنه حكى لى حكاية «لما راحوا قالوا للشاه الأب أن فيه مظاهرات فى إيران وبيصرخوا من فوق المآذن، ولكن لما نزلوا الشارع اختلف الأمر فالخومينى كان يرى أنه لاسياسة بدون دين ولا دين بدون سياسة وأنا مختلف معاه فى ولاية الفقيه.. مستعد أفهم رأى الآخر وإن كنت لا أوافق عليه، وعندما كنا فى قم، وقتها رأيت الستات الإيرانيات فى قم كلهم بالشادور، فى الحقيقة إيران تستحق أفضل من هذا، إيران لها وجه جميل جدا ينبغى المحافظة عليه، وأعتقد أنها من أكثر دول المنطقة تقدما، إيه اللى حصل، عايز أقولك إيه اللى حصل.

> المهم حضرتك توصف لنا المشهد لأننا نسمع كلام أن هذه هى نهاية ولاية الفقية، وأن هذه هى نهاية الثيوقراطية الإسلامية.

ــ أى حد يتكلم هذا الكلام أعتقد أنه يستبق الحوادث ويستبق الواقع، ويستبق الحقائق أيضا.

اللى حصل أن كل دولة فى الدنيا مرتكزة على مجموعة أشياء، كل نظام يستندإلى قوة حقيقية لابد أن يكون له موقع رئيسى ومؤثر وأن يثبت على هذا الموقع الجغرافى التاريخى.. موارد حقيقية مثل الزراعة والصناعة والموارد. الحاجة الثالثة أن يرتب لهذا البلد فيما حوله لأن قيمة كل بلد فى العصر الحديث لا تقاس بداخل الحدود ولكن تقاس بتأثيره خارج حدوده لأن هناك معيار القوة ومعيار التنافس بين القوى والحاجة الرابعة هى الهيبة التى تترتب على هذا كله، اعتقادى أن ما حدث فى إيران أظن أثر على هيبة النظام.. بمعنى أن قوة النظام مستمدة من وجوده فى إيران وحقائق القوة عنده موجودة، نفوذه فى الإقليم موجود.. وإن كانت هيبته قد تتأثر وأنا أعتقد أن النظام شاء أم لم يشأ قد تعرض لفضيحة لالزوم لها فى اعتقادى وهناك أخطاء داخلية لايمكن فيه قواعد أساسية لا تستطيع أن تقنع بما هو مقنع ولا تستطيع أن تستغل إلا ثغرة مكشوفة أمامك وهذا النظام ترك ثغرات وبعدين طال قوى مدة الحكم زى نظم كثيرة فى المنطقة بدون تغييرات أساسية وجوهرية تثبتنا على بعض الحكم زى النظم، وطول مدة الحكم خلقت ثقة متزايدة فى النفس واللى حصل أنا بعتقد فى جزء منه هم مسئولين عنه لخطأ قد يبدو بسيط جدا لأنه لما جينا فى الانتخابات هم حبوا يقلدوا الأساليب الحديثة ويجددوا فقالوا هيعملوا المناظرات المباشرة بين المرشحين وده فى حد ذاته كويس قوى لكن خللى بالك أن هؤلاء المرشحين كلهم من أبناء الثورة الإسلامية الأربعة نجاد وموسوى وخروبى ورضائى، كلهم ابناء النظام وكلهم من اختيار المرشد فإذا جلسوا فى حوار فيما بينهم فلا يوجد قضايا يختلفوا عليها فالخلاف لابد أن يكون شخصى وبالتالى شوفنا نجاد بيتكلم عن رافسنجانى وعائلته، ونجاد بيتكلم عن موسوى.. وموسوى بيرد على نجاد وبالتالى نتيجة البقاء الكثير فى السلطة فى قضايا ومشكلات متراكمة بين أقطاب النظام وعندما جاءت لحظة أفلت الزمام، فالكل بيتكلم وانكشفت حقائق كثيرة كانوا يقصدونها، وبعدين لما تقع فى خطأ دائما إذا لم تكن لديك خطة لمواجهته فأنت أمام مشكلة. أنا باعتقد أن النظام لم يكن يتوقع ذلك.

> ما الذى حدث هل حدث شرخ فى شرعية النظام؟

ــ لأ.. أنا هأقولك على حاجة إن شرعية النظام، عايز أقولك إن نجاد انتخب بأغلبية لاشك فيها وبشهادة كل المراسلين.. كل الناس اللى كانوا على الأرض وبشهادة المراقبين، وحتى بشهادة الغرب، وهذا يبرر سكوت أوباما لهذه المدة الطويلة على نتائج الانتخابات فى إيران قبل ما يتكلم، لكن ما يمكن أن يكون موضع شبهة أوموضع شك، أنا شوفت التقرير الذى أرسله موسوى للمرشد، وللجنة صيانة الدستور، ولمجلس مصلحة تشخيص النظام، وحط 9 مخالفات، وأنا باعتقد أن ما حدث يحدث فى كل حتة فى الدنيا وفى أمريكا وفى غيرها.

جرى جزء من التدخل، فيه بعض التدخل حدث الذى يسموه بـ«التحمس الزائد عن الحد»، بيتهيألى إن بعض الناس أرادوا أن يحسموا نتائج المعركة من أول لحظة أو من أول جولة وألا يتركوا مجال لإعادة وهما دخلوا، يمكن يحصل بعض التدخلات، ولكن على وجه اليقين لا يختلف أحد أن نجاد كان ناجحا، ولا يختلف أحد أن سلطة المرشد لاتزال ممسكة بالنظام، وأن هذا معناه أنه يوجد وضع متماسك جدا أكثر مما تتصور لأن النظام له انجازات حقيقية على الأرض لا يطاح بها بمثل هذا الشكل.

> هل حضرتك تدعم وجهة نظر كاتب أمريكى كتب أن أخطر تمرد يواجه نظام الثورة الإسلامية منذ 30 عاما منذ قيامها هو تدخل حماسى زائد فى الانتخابات. كان سيفوز أصلا نجاد؟

ــ موافق على هذا دون تحفظ، لأننى لم أر أحد يشكك فى فوز أحمدى نجاد، أنت جبت سيرة منتظرى، فيه مسألة مهمة جدا، نلاحظها ولا نوليها اهتمام أن بعض آيات الله وبعض المفكرين فى إيران أظن أنهم يتكلموا.

> يعنى بتحط انتقادات منتظرى فى هذا الصدد لكن حضرتك بتقول أنه لم يحدث شىء جوهرى فى شرعية النظام ولم تسقط ولاية الفقيه.، نظام جمهورية الثورة الإسلامية مازال الوقت أمامه، مازال الوقت مبكرا أن نقول إنه انتهى، لكن حضرتك تقول إن ما حدث هو النيل من هيبة أو صورة النظام.

ــ خد بالك إن هيبة أى نظام تترتب عند عوامل قوى حقيقية اللى قلناه من موقعه الجغرافى وتراثه التاريخى وإسهامه التاريخى فى المنطقة، ونفوذه الحقيقى، وهيبته كذلك فى الخارج، وإذا تأثرت هيبته فأنت أمام شيئين، إما أن تترك المسائل تجرى بالتداعى بدون عقل وبدون فكر إذن ضياع الهيبة يؤثر على ضياع النفوذ ويؤثر على بقية العناصر.

وأنا أعتقد أن هذا هو الاختيار القادم أمام قيادة الثورة الإيرانية، أعتقد أنهم أمام ضياع الهيبة أو المساس بالهيبة واللى حصل للنظام يمكن أن نسميه عملية «شرشحة» لأن أقطاب النظام بدأوا متنابذين أمام بعضهم البعض والمرشد دخل يحاول يحل وهذا فى حد ذاته خطير جدا لأن المرشد فى وظيفته أن يكون حكم بين أطراف.

> إذن بدا طرفا؟

ــ لا يمكن أن نقول ذلك، المرشد فى رغبته الإصلاح أظن أنه فى مشكلة وصلت إذا كان أحمدى نجاد وقف واتهم عائلة رافسنجانى، أنا أمام رئيس جمهورية قال شىء والمرشد قال شىء آخر والمرشد فى رغبته محاولة لملمة المسائل أظن أنه عمل حلول وسط ليست فى وظيفته لأنه هو كمرجعية فى النهاية، النظام بدأ فعلا يلم نفسه ولكن دايما المشاكل المتعلقة بكرامتهم تسوق لأبعد مما قصدوا إليه، وأنا شايف هذا فى موقف موسوى ومحدش يقوللى إن حسين موسوى ده معارضة هذا ابن النظام وكان رئيس الوزراء فى عصر خامنئى وفى زمن ولاية خامنئى، محدش يقوللى إن ده كان خارج.. وكان آخر البيانات اللى مطلعها على موقعه على النت بيتكلم عن مصلحة الثورة الإسلامية.

والخلافات عندما تكون مبدئية يبقى فيه مرجعيات للاحتكام وحدود للخلافات، لكن الكارثة الكبرى عندما تصل المسائل أن يكون فيها العنصر الشخصى، أكثر تأثيرا فى السياسة على مواقف الأفراد والناس من القضايا العامة.

> بتحليل دقيق لهذه المشكلة والاعتبارات الشخصية فى هذه الخلافات.. والخيار المتوقع أمام قادة النظام الثورى فى إيران هل نحن أمام مرحلة سينفرط فيها عقد النخبة الحاكمة فى إيران أم أننا سنرى مرحلة يحدث فيها رأب للصدع؟

ــ هى مرحلة يمكن فيها مداواة الأمور وتجسدها لعدة أسباب: الأول أن النظام مازال قويا وأن سلطة المرشد محترمة وأن الأطراف كلها تحتكم له.

ــ الثاني: أنه ليس هناك بديل ومن الحاجات التى أعتقد أن نظام الثورة الإيرانية لم يأخذ باله منها هى وجود طبقة برجوازية وشبه أرستقراطية وأنا أعرف كثيرا منهم وأعلم جيدا ولاءهم الهائل لإيران وأعلم أن لهم تأثير هائل فى العالم الخارجى سواء ثقافى أو سياسى أو اقتصادى ولكن أنت أمام نظام يعلم أنه أمنيا مهدد ومكشوف وبعدين مفيش بدائل، وأنت عندك بلد فيه حكومتين حكومة المرشد وحكومة الدولة وجيشين حرس الثورة وجيش الدولة.

أنت تتكلم عن نظام قوى جدا أكثر لا تؤثر فيه هذه الهزات إلا إذا فشل تماما عن معالجة أزمة طارئة وضعته فعلا فى مأزق، ولكن أحنا زى ما تكلمنا عن إيران أيضا أن ننظر على ما هو من الخارج.

> فى تقديرك أن هذا النظام بوضعه الأمنى القوى وعدم وجود بديل يستطيع أن يتجاوز هذه الأزمة برغم أن هذه الأزمة كما قلت مأزق خطير جدا.

ــ أنا عايز أفرق بين القوة الحقيقية والصورة العامة فى إيران، الصورة الحقيقية فى إيران ماتزال متماسكة جدا والدليل أن المرشد عندما تكلم هبط صوت المظاهرات فى الشارع وأن الموجود الآن عمليات صغيرة جدا خاصة فى شمال طهران حيث تسكن الطبقة الأرستقراطية ــ الشعب الإيرانى لا يعرف المظاهرات بالشموع.. والست اللى ماتت وأنا حزين جدا لأن هذه الست اللى ماتت كانت رايحة الجيم تلعب رياضة.

تحدثت بشكل دقيق عن التأثير من التطورات الحادثة فى إيران وهو النيل ولو جزئيا من هيبة النظام والأمر يتعلق بوضع إيران وعلاقتها بالاستراتيجية الدولية.. من كلام حضرتك أنه لا أحد يتقدم إلا على ثغرة مكشوفة لكن باختصار ما هو حجم التحريض الغربى فى هذه الأزمة، هل كما قال رؤوس النظام كان يتم تحريكهم من قبل هيئة الإذاعة البريطانية وCIA؟

ــ تعال نفكر واحنا قصيرى الذاكرة تأخذنا الصور ويأخذنا التلفزيون، وننسى كل الخلفيات وننسى أنه من قبل حرب العراق من ساعة ما جاء بوش فى 2001 قبل ما يبدأ الحرب على العراق أعلن محور الشر، ووضعوا فيه 4 دول وضعوا العراق وأقحموا فيها سوريا وأقحموا فيها كوريا الشمالية وادخلوا فيها إيران رغم أن عددا كبيرا من خبراء الرئيس قالوا أن إيران متدخلش فى الموضوع لأن إيران فى هذه المنطقة جائزة كبرى بسبب موقعها الاستراتيجى إلى آخره،، لكن أول حاجة انك ادخلت بلد فى محور الشر، لكنك قبل كده كنت بتتخانق مع إيران من أول ما سقط نظام الشاه اللى الأمريكان كانوا بيعتبروه دعامة لهم فى المنطقة ورجل أمريكا فى المنطقة ومن أول ما سقط والولايات المتحدة بادرت هذا النظام بعداء، وننسى أمريكا وإنجلترا عملوا إيه فى إيران.. فى ثورة مصدق كلام لا يعقل سواء على مستوى المؤسسة الدينية فى «قم» أو المؤسسة السياسية فى طهران اللى عملوه الأمريكان بعد الانقلاب اللى دبرته (CIA) سنة 53 على ثورة مصدق لا يعقل فأنت واحد فيه عداء مترسب ودخلنا بعد ذلك فى أزمة الرهائن وأزمة تحرير الرهائن وأزمة حصار وتجميد أموال.

فيه تاريخ من العداء .

تعالى فى 2006 انا جايب قرار الكونجرس يعطى اعتماد وقدره 400 مليون دولار للرئيس وتكررر هذا الاعتماد وإنه لم يكن 400 مليون دولار لسنوات لكى يعمل عملية ارباك للأوضاع فى إيران فأنت أمام خطة دى مش مؤامرة دى خطط للدول، دولة تريد أن تسقط نظام تراه معاديا وتقاتله بكل الوسائل وفى حالة إيران القتال كان علنى.

> هل المظاهرات بهذا المعنى صورة ناجحة من صور تراكم عملية الارباك الأمريكية.

ــ مش صورة ناجحة أنا باعتبر أنها استفادة جيدة من سياسة لإرباك النظام طبق سياسة الاحتواء اللى جربوها فى أوروبا الشرقية واللى جربوها فى دول كثيرة فى آسيا وهى واضحة جدا لما ترصد 400 مليون دولار ويوافق عليها الكونجرس من أجل هز استقرار دول واحنا حربناها هنا فى مصر فى فترة معينة قبل ذلك، ومعروف إنك تبدأ بدولة فتحاول أن تركز عليها دعاية مضادة وتحاول أن تحرض عليها دول محيطة بها، وتحاول أن تعزلها وتضغط على اقتصادها، نحن نتكلم فى بعض المرات فى العالم العربى بأهواء أو بآراء نصف مطبوخة أو«نية» أو بتحيزات بلاش أقول آيدولوجية لأن العالم العربى فى هذه اللحظة ليس عنده ايدولوجيا لأى نوع كانت تخلى موقفه منسق سواء غلط أو صح، وأنا أمامى كل القرارات اللى صدرت فى عصر أوباما من الكونجرس فأمامى 5 قرارات صدرت من الكونجرس باحكام الحصار على إيران بالعمل على وقف كل المشروعات خارج حدودها مثل مشروعات خطوط لانانيب خارج حدودها وآخر هذه القرارات فى شهرى إبريل ومايو.

> هل الهدف من هذه القرارات أنه عندما تصل إيران إلى مائدة الحوار التى تحدث عنها أوباما تصل ضعيفة وأكثر قابلية للضغط علىها؟

ــ ممكن وكل هذا وارد ولكن خد بالك أنه فى النهاية يطلب تغيير النظام.
لكن هناك ظاهرة عايز الناس كلها تأخذ بالها منها وهى «التويتر» واحنا كنا بنعرف أنه فى الاتصالات الناس بتتأثر بالانترنت وناس تتأثر بالموبايل.
لكن احنا امام ظاهرة تلفت النظر وهى التويتر وهو شركة كبيرة طالعة تعمل وسائل اتصالات زى جوجل سموها تويتر والتويتر ده هو عندنا طائر الوروار وهو طائر ملون وبيطلع وينزل.

وقبل اللى حصل فى إيران سواء كان احتجاج، انتفاض، بهدله سميه زى ما تسميه.
بدأت عملية الطعن فى نتائج الانتخابات من أول لحظة حتى من قبل ما تطلع النتائج وأنا عارف أن أسباب القلق حقيقية وأن مش جموع متضايقة وعارف أنه فيه شباب كثير أوى طلع فى ايران غالبية الشباب كله طالع العصر الحديث بيشدوهم ووسائله بتشدهم وميعرفوش حاجة عن التاريخ والنموذج الأمريكى بيكون جذاب بالنسبة لهم.

لكن حصل أن هذا كله استغل بوسائله لما ألاقى بدأ الطعن على الانتخابات والتحريض على النزول للشارع قبلها وأشوف فجأة، وهذه ملفتة للنظر الدور الإسرائيلى واشوف عشرات الألوف من مواقع التويتر وفقا للتقارير طالعة مؤسسة قبل الانتخابات بأيام ففى يوم الانتخابات نشط 18 الف موقع تويتر وهو وسيلة اتصال لكنها تختلف عن غيرها وهذه رسالة مفتوحة قصيرة يلتقطها أى حد.
المشكلة أنك لا تعرف من هو الذى ارسلها واكتشف إن فيه 18 ألف موقع بالرفض معظمهم من إسرائىل انزل فى مظاهرات فيه 100 ماتوا، 200 واحد أننى دلوقتى قدام حالة استغلال للفضاء الاليكترونى قدامنا العام الجديد ده كله وهو بيستخدم وبقسوة .. بلاش الدعاية ولكنه فى استغلال مواقف وتأجيج النيران.

> بوضوح تام هناك حضور CIA وهناك حضور لعملية ارباك متعمد وهناك حضور واستغلال لامكانيات الفضاء الإلكترونى لاضعاف وارباك النظام والهدف على المستوى الطويل لاسقاطه هل تأثير ذلك هو أن الحوار الأمريكى ــ الإيرانى انتهى إلى غير رجعة أو تأجل أو تغير شروطه.

ــ لأ طالما بقيت إيران، أى بلد يمكن بموقعه الجغرافى وحضوره التاريخى فإيران هى الكبرى بين شبه الجزيرة العربية والبحر الأبيض والكبرى بين الهند وشبه الجزيرة الهندية والمحيط الهندى، إيران فى موقع لا يضاهيه موقع آخر تقريبا إلا موقع مصر وهو موقع لا يستغنى عنه أحد ولو فيه نظام قوى استطاع أن يحافظ على قوته فسوف يجبر الآخرين على اعتباره القوة التى يجب الكلام معاها واعتقد أن الحوار الأمريكى ــ الإيرانى قادم ولكن بطريقة قد تكون قابلة لانتظار حقائق أكثر، وأنا خايف من هذا الحوار، فالأمريكان هيحاولوا يوصلوها وقد يتصوروا أن الشروط هتبقى اخف والاسرائىليين خسروا أكبر خسارة فأكبر خسارة وقعت فى اسرائىل هو نظام الثورة الاسلامية الذى أخذ من اسرائىل حليف قوى لها وهو شاه إيران الذى نقول انه صديق معرفش احناه عملنا ايه معاه وهو أقوى حليف لإسرائيل وكانت تساعده بكل الوسائل والامكانات الموجودة فى اسرائىل لنظام الشاه ولا تحصى وأكيد فيه صراع قادم.

هناك صراع قادم وإسرائيل تريد أن تسرتجع موقعها فى إيران ونحن من مصلحتنا يحدث ذلك.

< هل الذى نراه من تأجيج الصراعات ليست إلا محاولة أمريكية إسرائيلية لقطع الطريق على إيران على ما كنت ستحصل عليه وهو الحصول على جائزة الاعتراف بدورها الإقليمى واعطائها الاعتراف الدولى بأنها قوى إقليمية قائدة فى المنطقة؟

ــ الاعتراف من الآخرين أمر جيد لكن إذا كانت لديك مقومات ودور ما أو مكانة ما فهذا الدور لك وهذه المكانة إليك وليس اعتراف الآخرين لكن الغريب أن إسرائيل تسعى إلى شىء فتعالى نرى كلام رئيس مخابراتهم دجان فى جلسة الأمن والدفاع فى الكنسيت يوم 16 ديسمبر قائلا إن الحرب فى إيران فشلت والنظام موجود ونحن لا بد من نحسس إيران والانتخابات مقبلة اننا لسنا اعدائها لهذه الدرجة بينما يتورط العرب فيما يقوموا به، إذن هناك صراع فإسرائيل تحاول التقدم فى صراع الثورة الإسلامية ونحن لا ننتبه إلا للدعايات.

< هذا الانقسام المثير تقريبا للأسى والشفقة ما بين العالم العربى وما بين من يتبنى الأفكار الأمريكية والإسرائيلية والشماتة فى النظام والتحريض عليه على اعتقاد انه انتهى وما بين التاييد التام لهم واعتبار وكان إيران وهى تجمع أوراقها الإقليمية سواء فى لبنان أو فلسطين انها تفعل ذلك من أجل صالح العرب ومن أجل عيون العرب؟

ــ أولا أنا لا أرى تناقضا بينى وبين إيران على المدى البعيد وعلى المستوى القريب فإيران دولة موجودة وجارة أنا مرتبط بها براوبط الثقافة والدين وجغرافيا والمصلحة والامتزاج وليس هناك مشكلة تماما وأى تناقض بينى وبينها يجب حله والناس الذين يهاجمون اعتقد أن الاختلاف يجب أن يكون بناء على رؤى وتصورات وربما أوهام فى بعض الاحيان واعتقد اننا لدينا أوهام كثيرة جدا فيما يتعلق بإيران وأتمنى ونحن نكتب ونفكر ونقرر وأن نفعل أى شىء الوضع فى الاعتبار جزء من التاريخ وجزء من الحاضر وجزء من الاستراتيجية ونفكر جديا بما فى صالحنا.

< حضرتك اشرت ان الوضع الإقليميى لإيران قد يتأثر نفوذها بالمنطقة بمعنى علاقتها بسوريا وحزب الله وحماس والجهاد فى فلسطين ونفوذها الكبير على الوضع فى العراق؟

ــ أنا اعتقد أن النظام سيكون اشد واقوى فى مساندته لعناصر قوته وعناصر نفوذه فى الخارج وعناصر توجهه وتلاحظ أن المرشد كان من الممكن أن يتراجع أو يأخذ موقفا لكنه أخذ موقفا حاسما لأنه عندما تتهدد أو تهدد النظم ويصبح هيبتها فى الميزان وما يزن الهيبة من عوامل القوة فهى تقف بحزم.

< قلت إن إذا كانوا الكثيرون يرون إن إيران فى التحليل الأخير هى ظهير للمصالح العربية خاصة عندما يتعلق الأمر بالصراع العربى الإسرائيلى، هل تعتقد محاولة اضعاف إيران فى هذه الأزمة كان مساعدة سيناريو التسوية السياسية والتى تحدث أوباما عنها راغب فى اتماها خاصة على المسار الفلسطينى؟

ــ أنا قلت إن أوباما شخصية بديعة جدا لكن ليس هناك تغيير فى السياسة الأمريكية والتغير فى السياسة الأمريكية لن يحدث إلا إذا تغيرت الحقائق الموجبة للاشىء، ونحن نتصور فى بعض الأوقات بمنطق نحن نعرفه أن أى شخص يأتى ياتى بعهد جديد هذا ليس صحيحا وهذا غير صحيح فالذى يحدث من قرارات من الكونجرس والسى اى ايه هى السياسة الأمريكية التى لن تتغير.

< فهل تعتقد ان إيران وحلفائها سيظلوا قادرين على رفض تسوية مجحفة فى حق الفلسطينيين ويستطيعوا مقاومة تسوية يمكن ان تتم فى الشان الفلسطينى وهى تفرضه موازين القوى لصالح إسرائيل الآن؟

ــ أريد القول أن اعتقد أن التسوية النهائية غير ممكنة فى إيران أو غيرها فهناك موجود فلسطينيين فى كل مكان وهناك قضية شعب وأرض تضيع فإيران أو غيرها لن تجد تسوية ومحاولة فرض الاشياء ستدخلنا فى مرحلة صعبة للغاية.

< هل إذا ضعفت إيران ستضعف معها مقاومة حماس؟

ــ ستكون خسارة كبيرة فأى أحد يريد منع قوى حقيقية أو إرادة حقيقية أو حقيقة تاريخية موجودة وإنسانية موجودة لا يستطيع وأنا أراهن دائما على قدرة التطور فى صنع التاريخ من غير ان تكون قدرية ومن غير ان نعتمد على الآخرين.

< هل الذى سنشهده هو صراع على الزعامة الإقليمية بين إسرائيل وإيران ونحن كعرب نأخذ الجانب الخاطئ؟

ــ أقول لك انسى موضوع الزعامة تماما لأن الزعامة تتعلق بالتفرد وهناك قوى دولية تحاول التسابق والاستحواذ على أكبر حيز ممكن والحقيقة الكبرى القادمة هى أن نسبق إسرئيل إلى إيران ونسبق أمريكا إلى إيران لان هذا عنصر هام جدا فى الوجدان الاستراتيجى والإنسانى والأمنى فى هذه المنطقة.

< ردود الفعل الشامتة التى حدثت كانت عكس ما يجب من القرار الاستراتيجى أو القرار العربى؟

ــ صاحب القرار الاستراتيجى والقرار العربى لا أعرف كيف يفكرون وعلى أى حال أنا أعتقد أن أى أحد يشكو إيران أعتقد أنه دون أن يقصد وفى الغالب دون أن يقصد هو موجود فى الجانب الخطأ




|حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة
 الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة |مع هيكل | تجربة حياة |الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة|تجربة حياة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل| مع هيكل 










حصريا و نقلا من جريدة الشروق

النصوص الكاملة لجميع لحلقات البرنامج التليفزيوني الأشهر عربياً

(تجربة حياة) والذي تبثه قناة الجزيرة

ويقدمه الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته.


[IMG]http://alghaslan.net/wp-*******/uploads/d987d98ad983d984.jpg[/IMG]


الجزء الثاني 




قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إنه توقع عدم نجاح المرشح المصرى

فى انتخابات اليونسكو منذ البداية،مشيرا إلى أن الأمريكان رفضوا

فاروق حسنى لكبر سنه ولتعدد المشكلات والتحقيقات فى مكتبه.

وتعجب هيكل ممن قالوا إن نفوذ الرئيس مبارك سيخدم فاروق حسنى

فى المعركة وقال «لا يوجد رئيس أكبر من بلده»، مشيرا إلى أن مصر

هى التى صنعت نفوذ رؤسائها. 

واستنكر هيكل استقبال مصر لوزير الإسكان الإسرائيلى بنيامين بن أليعازر 

الصادر ضده أحكام لتورطه فى قتل 65 جنديا مصريا،
فى الوقت الذى رفض فيه جابى أشكنازى رئيس الأركان الإسرائيلى 

الهبوط بطائرته فى مطار هيثرو خوفا من ملاحقته قضائيا لتورطه
فى جرائم حرب. وقال الكاتب الكبير للإعلامى محمد كريشان 

فى الجزء الثانى من حواره مع قناة الجزيرة «قلّبت عليّا المواجع»،
مضيفا أن «حضور بن أليعازر إلى مصر وقاحة».

الجزيرة: أشرتم فى الجزء الأول من الحوار إلى غياب الدولة الرائدة والقائدة.. وليس سرا أن مصر هى التى كانت تقوم بهذا الدور طويلا، والآن هناك حديث عن انكفاء هذا الدور أو تراجعه، لكن المؤلم عدم وجود قوة أخرى تقوم بهذا الدور، ففى فترة كانت العراق، الآن لا وجود لأى بديل.. كيف ترى ذلك؟

هيكل: لا أرغب أن أتدخل فى رأيك عن الدولة الرائدة، لكن بلا جدال مصر فى أزمة مثلها مثل الآخرين، لأن هناك خيارات أخرى اتخذت أولها أن 99٪ من الحل فى أيدى الأمريكان، مصر كانت تلعب دورا كبيرا والعالم العربى اعتمد على هذا الدور.

وأحب أن أذكر أنه عندما تخرج مصر فقد خرج نصف العالم العربى، لسبب وهو أن العالم العربى فى القارة الأفريقية سينعزل بعيدا ــ إسرائيل كعازل موجود ــ وبعض الناس يتصورون أن الجغرافيا ليست موجودة، الجغرافيا موجودة، لكن يجب أن تكون فعلا متحركا، وليس مخبأ، الناس تختبئ فى كهوفه، لكن عندما تخرج ويقال مصر أولا، يخرج نصف العالم العربى غرب سيناء، ويصبح غير مؤثر فى موازين القوى، فليبيا ليست موجودة والجزائر والمغرب، والسودان ليست موجودة وهكذا.

وهنا الاعتماد العربى على مصر باعتبار الدور الذى قامت به فى مراحل كثيرة.

هناك خطأ آخر هو أننا فهمنا الدور بمعنى الوظيفة وهذا خطر جدا، الدور يكون لك بمقدار ما تؤدى وبمقدار ما تنهض بتبعاته، ويكون الدور ليس لك إذ أنت تركته، ولا تريده تعنى أن تكون تعبت، وهذا حقك، لكن إذا اخترت ذلك لا تقول أنا زعيم العالم العربى لأن هذا ليس وظيفة.

ومن الأخطاء الكبرى التى حدثت أننا تصورنا إذا اتخذت مصر قرارا فقد أصبح على بقية العرب أن يتبعوه وهذا ليس صحيحا، من الممكن أن يكون صحيحا إذا كان هذا الدور يلقى تأييدا جماهيريا واسعا خارج حدودك، وإذا كان منطقيا ومعنيا ومتصلا بما يجرى فى العالم.

فى مرحلة التنوير أثناء ما كان طه حسين، وتوفيق الحكيم وأحمد أمين وكل هذا الجيل من الرواد موجود، مصر كان لها دور متخطٍ لأن هذا كان متجاوبا مع حركة العرب، وأثناء جمال عبدالناصر كان لمصر دور متخطٍ لأنها كانت مشاركة فى حركة التحرر وفاعلة.

أن تقف على المسرح وتؤدى دورك وحولك فرقة كاملة يبقى مقبولا، لكن إذا خطر على بال هذا الممثل أنه فعلا «الكينج لير وخرج بملابسه فى الشارع الناس هتضحك عليه فأنت ماتقدرش تلبس ملابس دور أنت لا تؤديه سواء فى السياسة أو على المسرح».

أعتقد أن هناك فهما خاطئا للعالم وحركة العالم بحيث وصلنا إلى شىء متناقض مع كل شىء، فأنا لم أصل إلى أن العربى يقر فى ذهنه أن إسرائيل هى صديقة وإنها تقدر تعمله حاجات، فمرات تنظر وأنت مذهول لمشهد لا يصدق ومرعب، فهل يعقل أننا خضنا معركة اليونسكو، أنا لست خبيرا فى اليونسكو، ولكن أنا تواجدت هناك شهرا كاملا بتكليف من أحمدى رئيس اليونسكو السابق كرئيس للجنة تبحث العلاقة بين الثقافة والإعلام وكان فيه 2 وزراء إعلام ووزراء خارجية، وقدمنا تقريرا لأحمدى عام 1984 وتعرفت حينها بشكل ما على اليونسكو، لأن موضوع المنظمات الدولية نحن لا نفهمه.

نحن كعرب بصفة عامة لم نكن نقترب من رئاسة المنظمات الدولية، لأنه كان فيه تقدير أننا لا نريد أن نتعامل مع إسرائيل وبما أننا لا نريد أن نتعامل معاها، فليس من المهم أن يكون عندنا أحد رئيس الأمم المتحدة وأى شىء من هذا القبيل، خصوصا أنه توجد قاعدة وهى أن الدول الأطراف فى النزاع تكون خارج هذه المناصب، ولكن دخلنا فى ظروف فالدكتور يوسف بطرس تم ترشيح ولكن ليس نحن من رشحناه، فترشيح الأمين العام بيكون بين الدول الأعضاء فى مجلس الأمن فتوافق عليه وتتقدم به للجمعية العامة وتقره، وبطرس غالى اللى كانت مرشحاه فرنسا على أساس إنه عمل خدمات لمنظمة الفرانكفونية وأمريكا قبلته على أساس إنه وزير الخارجية الذى ذهب مع السادات للقدس.

وبطرس غالى فى حد ذاته رجل ذكى ومتحضر وفيه مزايا هائلة لكن لم يكن مرشحنا.

ومحمد البرادعى نحن قاومنا ترشيحه لأن مصر كان عندها مرشح آخر والبرادعى نجح لأن هناك دولا اعتقدت أنه رجل فى منتهى الكفاءة وأصلح من أى مرشح لرئاسة هيئة الطاقة الذرية وهما لم ينجحا بسببنا لكن بالرغم عنا.

وعندما وصلنا للتفكير فى رئاسة اليونسكو سألنى اثنان من المرشحين العرب (غازى القصيبى وإسماعيل سراج الدين)، فقلت للقصيبى لن تنجح، فقال لى أنا معى كشف «فى جيبى منهم كذا وكذا»، والأمير عبدالله كان وقتها ولى العهد ذاهب إلى اليابان ليقول لهم إما أن تسحبوا مرشحكم أو أن نقطع عنكم البترول فقلت له هذا لن ينفع لأن اليونسكو لها حسابات أخرى.

دكتور إسماعيل سراج الدين قابلته بعدها فقلت يا دكتور إسماعيل المرشح اليابانى سوف ينجح مهما فعلتم لأن اليونسكو لها حسابات أخرى، ومصر فى الوقت ده كانت أيدت القصيبى.

وفشل الاثنان واليابانى نجح، لسبب بسيط شرحته للاثنين لأنه عندما انسحبت أمريكا من اليونسكو للضغط على أحمدى أمبو بسبب الدور الأفريقى، ودور دول العالم الثالث فى اليونسكو، توقفت عن دفع حصتها، اليابان فى هذا الوقت ظلت تدفع حصة أمريكا، فعندما طلبت منصبا دوليا لأول مرة، فكان من الطبيعى أنها تحصل عليه.

أما نحن تصورنا أن إسرائيل لها هذه القيمة، وكان من الغريب أن تصورنا أن إسرائيل تملك وتقدر وهذا من الغريب ولم نتنبأ إلى أنها لا تملك ولا تقدر، وعلى فرض أنها تريد، وجاء نتنياهو إلى مصر وقال نحن لن نعارضه ولكن هو وحضوره، وأعطينا لإسرائيل امتيازات، وهذا كان فهما خاطئا.

وعلى سبيل المثال سياسى ألمانى زارنى فى برلين وتكلمنا عن الدور الإسرائيلى، وقال لى «هل عندك مانع تزور نصب الهولوكست؟»، فقلت لا فأنا أفرق بين اليهود والإسرائيليين، فقال لى «أتذهب معى إلى الهولوكست» كأنه يتحدانى، فقلت له «ماعنديش مانع»، ونزلت وذهبت معه، وعندما عدنا قال «أنا متعجب مما تفعله إسرائيل فى موضوع اليونسكو» وقال لى «بسبب رغبتكم فى مساعدة إسرائيل لكم فى اليونسكو تركتم لها فى موضوع الغاز ما يساوى حجم كل المساعدات الأمريكية التى تحصلون عليها»، وهو ما أثار دهشتى، فهناك وهم للدور الإسرائيلى وأنا عارف إنه سيطلب من أحد تكذيب ما أقوله الآن.



يتبع



حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة
 الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة |مع هيكل | تجربة حياة |الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة|تجربة حياة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل| مع هيكل 










حصريا و نقلا من جريدة الشروق

النصوص الكاملة لجميع لحلقات البرنامج التليفزيوني الأشهر عربياً

(تجربة حياة) والذي تبثه قناة الجزيرة

ويقدمه الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته.


[IMG]http://alghaslan.net/wp-*******/uploads/d987d98ad983d984.jpg[/IMG]


تابع الجزء الثاني 






نحن على سبيل المثال قلنا لا نريد مرشحا عربيا آخر ينافس فاروق حسنى،

المغاربة كانت لهم مرشحة وعندما «قلبنا الدنيا» امتنعت عن الترشيح.


وقيل إن الدكتور غسان سلامة، وهو وزير ثقافة لبنانى سابق، سيرشح

نفسه، وكانت هناك مفاوضات لتصدير غاز للبنان، والسنيورة قال

الحمد لله أنهينا المفاوضات بنجاح، فقالوا له مازال هناك شىء آخر

وهو أن الاتفاق سارٍ فى حالة عدم ترشح غسان سلامة، فقال لهم

السنيورة مصر تطلب وتُجاب.


فعندما تغيب هيبة الدور أو جلال الدور أنت تلجأ فى تعويضه إلى أسباب

وتتصور وقتها أن الأمر يحتاج للضغط على الدول العربية وأنت لست

فى حاجة إلى ذلك، وهناك أوقات نتصور هناك صداقات بين رؤساء

الدول وهذا غير صحيح، فإذا قال لى رئيس دولة إنه صديق لرئيس

آخر وأن هذا يؤثر فى السياسة، فأقول له آسف هذا غير طبيعى

وليس ممكنا، لأن كل رئيس دولة يحاول مع الرؤساء الآخرين

أن يعظم مكاسبه ويقلل ما يدفعه، فالعلاقة هى علاقة جدلية

أو علاقة شد وجذب فيها تبادل مصالح لكن ليس فيها علاقة شخصية.


تعجبت عندما قيل إن النفوذ الدولى للرئيس سوف يخدم مصر،

هذا ليس صحيحا فلا يوجد رئيس أكبر من بلده، مصر هى

التى صنعت نفوذ أى رئيس لها.


تصورنا أن إسرائيل تقدر تساعدنا فى اليونسكو، وأنا قلت مبكرا

إن المرشح المصرى لن ينجح لسبب واحد إنه فى هذه المرة كان

واضحا أن هناك رغبة فى إشراك أوروبا الشرقية.


الأمريكان من أول لحظة قالوا لا داعى للمرشح المصرى،

أولا لأنه كبير فى السن، ولا توجد مؤامرة يهودية ولا حاجة،

ورجعنا من اليونسكو بنشتم اليهود ونشتم الأمريكان ونشتم الدنيا

كلها لا اليهود كانوا يقدروا يعملوا حاجة، فالأمريكان من الأول قدموا

مذكرة قالوا فيها إن المرشح المصرى سنه كبيرة تخطى السبعين

وكان فيه تحقيقات فى مكتبه. وأى حد كان بيتابع الخريطة كان

هيعرف إن هذه المرة ستذهب إلى شرق أوروبا ومطلوب إن شرق

أوروبا تشارك فى الحركة الثقافية فى العالم وإنه تحت أى

ظرف لن يكون منا، هناك خطأ فى فهم العالم، خطأ فى فهم

الدور وحدوده، الخطأ فى فهم كيف يمكن أن تحقق ما تريد،

الخطأ الثانى إنك ماترجعش تشتم فى كل الناس،

وتقول اليهود خانونا «أمال رايحلهم ليه».



الجزيرة: د. غازى القصيبى الذى أشرت إليه كتب مقالا فى جريدة

الحياة غير بعيد عن الاستخلاصات الرئيسية فى ضوء تجربته

وفى ضوء تجربة السيد فاروق حسنى، الآن وقد تناولنا موضوع

الريادة والقيادة سننطلق إلى ما قيل إنه بسبب غياب هذا الدور 


هيكل: لا غائب ولا حاضر كنت أتكلم عن حضورها لا تدخلنى فى خطأ.

الجزيرة: مقابل هذا الوضع هناك حديث الآن متنامٍ عن دور تركى بارز

ودور إيرانى بارز فى المنطقة، والبعض يربط أنه بسبب هذا الوضع

العربى برزت القوتان بهذا الشكل، وبالنسبة للموضوع التركى تحديدا،

هناك اتجاهان، اتجاه تركيا وهى تبتعد عن إسرائيل أو على الأقل

هذا ما يتم تصويره إعلاميا، وتقترب أيضا بالتوازى مع جوارها

العربى (اتفاقها مع سوريا) حتى إن بن أليعازر وهو أحد الوزراء

الإسرائيليين أشار إلى «ضرورة التصرف بحساسية فى الموضوع التركى،

حتى لا تحقق ما سماها التوقعات السوداء، فى أن تركيا قد تنقلب علينا»،

كيف تنظر إلى هذا الدور التركى خاصة فيما يتعلق بالتاريخ والجغرافيا

أشرت إلى أن سوريا ابتعدت عن التاريخ ورتبت موضوع الجغرافيا.


الجزيرة: كيف ترى هذا الدور التركى الآن فى المنطقة؟

هيكل: أود أن الفت النظر إلى أن بن أليعازر زار مصر مع نتنياهو لأول

مرة فى مايو جالنا هنا علما بأنه صادر ضده أحكام كثيرة فى مصر لأنه

الرجل الذى أمر بقتل أسرى حرب مصريين، وهذه من الأمور التى تضعف

موقفنا جدا، فالجريمة التى قام بها بن أليعازر طالت 65 جنديا وضابطا

مصريا، لكن عندما جاء نتنياهو إلى القاهرة قال إننى قادم إليكم ومعى

صديق مصر وصديقكم بن أليعازر، وأنا اعتبرت أن هذه وقاحة لأن

هذا الرجل مطارد ومحكوم عليه، فى نفس اللحظة تقريبا كان رئيس

أركان حرب الجيش الإسرائيلى أشكنازى على وشك أنه ينزل بطائرته

إلى مطار هيثرو لكنه تراجع عندما عرف أنه مطلوب بجرائم حرب،

وأنا عندى واحد هنا ثابتة عليه جريمة الحرب وجاء يتبجح بصفته

صديقى وصديق مصر.


فى داخل كل بلد عربى حدثت عملية تجريف للحياة السياسية..

والحياة السياسية فى أى بلد فى الدنيا تقوم على حاجتين،

حوار يرد عليه ويناقش ويثير القضايا، والجانب الآخر وعى يدفع

الناس للتفكير فى شأن المستقبل وهنا أنا أعتقد أن هذا

المستقبل معلق بمجهولات كثيرة فى الداخل.


أما فى الخارج بسبب الخيارات الخاطئة حدث تفريغ للتاريخ

وهنا بدأت الجغرافيا تعمل فعلتها فعندما يعز الفعل التاريخى للبشر تبقى

الأرض وتبقى طبائع الأرض وتبقى طبائع الجوار تشد وتؤثر، فتركيا

باستمرار بجوار سوريا وأنا كنت واحدا من الناس المتصورين أن هناك

دورا تركيا قادما لأنه بتجريف التاريخ اللى جارى فى العالم العربى،

الجغرافيا هتعمل فعلتها، وتركيا هتيجى وتدخل فى تناقض مع إسرائيل وفى

أول مرة تكلمت فى الجزيرة أشرت لهذا وما أريد أن أقوله إن العالم العربى

آثر أن يهجر التاريخ كله لأسبابه المختلفة

و«بقيت الجغرافيا تعمل فعلتها فى كل حتة فمرة تبقى سجن

مثلما يحدث فى الفلسطينيين ومرة تبقى كارثة مثلما يحدث

فى السودان ومرة تبقى حصار مثلما يحدث فى مصر».


وبالنسبة لسوريا كانت باستمرار تنظر سواء لمصر أو العراق بفعل الفعل

التاريخى والثقافى والاتصال الإنسانى وهذا توقف، والأمن ملح لأن احنا

طلعنا بالتسوية لوحدنا وهذا إذا قلنا إنها تسوية ولكنها ليست سلاما

ولا أى حاجة، لكن سوريا بقيت وحدها ولديها أرض محتلة وهنا تحاول

أن تجد تعزيز قوتها من الجوار وكان لديها دور تركيا وإيران وأنا

مرحب بهذا لعدة أسباب لأن أنا واحد من الناس المطالبين بقسوة ومبكرا

جدا بأن إيران نطاق ثان لأمننا ودفاعنا وثقافتنا وهذا أيضا مع تركيا،

لأنه هنا فيه أوجه الاتصال بين الأمم والشعوب وتليهم باكستان

وده بيكمل الطوق الشمالى اللى حول العالم العربى.


وتركيا حاصل فيها تغيير رئيسى تاريخى توافق مع التغيير اللى حاصل

عندنا وهو الالتجاء إلى الجغرافيا فتركيا مش قادرة تعمل دور تروح

به إلى أوروبا لأن طبيعتها الإسلامية هتخليها تتجه جنوبا أكثر

وليس لأوروبا وأنا أعتقد أن دورها الأوروبى محكوم عليه.


الجزيرة: حتى إن وزير الخارجية التركى أشار إلى الاتفاق الأخير

بشأن سوريا إلا أن سوريا هى بوابة تركيا للبلاد العربية.


هيكل: حتى إن رئيس بلغاريا يقول وهو يرحب بمبارك فى بلغاريا

إن مصر هى بوابة بلغاريا لأفريقيا، فنحن عايزين نبطل نبقى

بوابات وعاوزين نتحول إلى ساحات مش بوابات،

وتركيا الغرب بعيد عنها وفيه تغيير فى تركيبة تركيا لأن دور الجيش

بيقل لأن رغبتهم فى الالتحاق بأوروبا عملوا خطوات فخف دور الجيش

التركى، والحاجة التانية إن تركيا وجدت ثقافتها القريبة

من المنطقة وفيها الإسلام عنصر من أهم عناصرها.


وفى المستقبل التاريخ سوف يحاسبنا حسابا عسيرا جدا على من

أضاع إيران وأنا أتكلم فى هذا الموضوع دون حساسية لأن

أنا أعتقد أن احنا بنعمل فى موضوع إيران خطيئة كبرى. 


تصل إلى حد الجرائم التاريخية فإذا كان بينى وبين إيران تناقض،

وأنا أعلم أنه ممكن يبقى فيه تناقض ولكن هناك مسألة مهمة

وهى كيف يمكن أن أفرق بين تناقض يؤدى إلى عداء

وتناقض يؤدى إلى حوار.


وأنا أعرف إلى أى مدى ساعدنا الثورة الإسلامية فى إيران لأنه

أى حد عايز يتكلم فى إيران لازم يتكلم على أن الشيعة والمؤسسة

الشيعية موجودة هناك ازاى، فاحنا لزمن طويل وبعد سقوط مصدق وهذا

البلد مصر تصدينا لمساعدة العناصر الثائرة ومنها المؤسسة الدينية فى

«قم» ووقتها الشاه قال أمام الشعب وهو يغلق المدرسة الفيضية

فى ذلك الوقت ويطبق على المؤسسة فى «قم».


يقول ما رأيكم فى إمام دينى كبير يأخذ مساعدة من رئيس عربى ويريد

أن يسلمه بترول إيران وكان يقصد جمال عبدالناصر ورد عليه

الخومينى وقتها وقال أنا أخذت مساعدة من رئيس مصرى مسلم لكى

أواجه طغيان حاكم مسلم آخر، المصيبة الكبرى إنهم يقولوا إن شاه

إيران كان بيعطينا بترول فشاه إيران لم يعطنا بترول على الإطلاق

وأنا أتحدى أى أحد يجيب رقم ناقلة بترول إيرانية دخلت السويس

لكن بدأنا الثورة الايرانية العداء.


الجزيرة: موضوع إيران بالنسبة لحضرتكم فيه نوع

من القهر بتعود إليه باستمرار.



أنا أول كتاب كتبته فى حياتى كان «إيران فوق بركان»

وكان ذلك فى سنة 1951 وكل صناع القرار هنا وقتها كانوا تقريبا

فى ابتدائى وكان ذلك تأثيرا لمدرسة الشرق عليا والتى كانت ترى الاتجاه

إلى الشرق وهذا هو المناخ الذى جعل واحدا مثل على ماهر يسعى إلى

زواج أخت الملك فاروق من ابن شاه إيران .


الجزيرة: ستعود لموضوع إيران لكن نريد أن نغلق موضوع تركيا الآن،

هل تعتقد أن لهذا التوجه التركى الجديد مستقبلا واعدا لأن البعض لا

يستبعد أن يكون هذا الدور التركى لا أقول بإيعاز ولكن بتفاهم معين مع

الأمريكيين لإعادة صياغة المنطقة بشكل آخر وأن القول إن هذا التوجه

التركى ملتصق بالهموم العربية فهل هذا التوجه التركى يمكن

أن يغير بعض المعطيات فى المنطقة.


هيكل: يجب أن تعلم أن أى دولة عندما تعمل توجهات بتعمل توجهات

لصالحها وإذا أرادت أن تحسب موقفها عليك أن تنظر إلى دواعيها على

هذا الذى تتصرف به، وأنا أمام تركيا فالاتحاد الأوروبى

لا يريدها لأنها دولة إسلامية فهى لن تدخل فهى مصدومة فيما طلبته

وهذا أدى إلى تقليل قوة الجيش التى كانت تحكم فى تركيا باستمرار،

والحاجة الثالثة إن تركيا وهى تبحث لنفسها عن دور فى ميراثها

القريب العثمانى وهو الوقت الذى تمددت فيه. وهذا الإيحاء التاريخى لبلد

أو لدور ما مع وجود قواعد حقيقية تساعد هو اللى عليك أن تنظر

عليه فأنا لا أريد أن أشوف تركيا صادقة النية أم غير صادقة.


أنا لا أحكم على نية تركيا، أنا بقولك إن هذا التوجه التركى الجديد

والذى ترى بوادره وراءه ما هو أكثر من ظاهره وهو حقيقى

ويمثل قلقا لإسرائيل وهذا كان مرئيا وأنا بأعتقد أن ما يدعو

إليه مصالح تركيا وليس الرغبة بإرضائك وليس الرغبة فى التقرب

إليك لكن هنا فى اللحظة التاريخية اللى المصالح فيها بتلتقى لكن أنا

حد يقولى والله تركيا دا بيتظاهروا وبيمثلوا، معيارى فى بيمثلوا

أو بيتظاهروا هو إنى أبص على مصالحهم، مصالحهم فين إذا وجدت

أن هناك أساسا حقيقيا من مصلحة لتركيا فى توجهها إذا أستطيع

أن أقول صحيح أو غير صحيح.


الجزيرة: بالنسبة لإيران أستاذ هيكل الآن بعد المحادثات الأخيرة

وما يبدو أنه محاولة لتسوية مهينة لملفها النووى البعض أشار وخاصة

من الكتاب الخليجيين إلى أن أمريكا وقد اندفعت عسكريا نحو العراق

عام 2003 سلمت العراق عمليا لإيران، الآن وهى تندفع سياسيا

نحو إيران قد تسلمهم منطقة الخليج وهناك خوف من أن صفقة

ما يجرى ترتيبها بين إيران وبين الولايات المتحدة على الأقل،

هل تعتقد بأن إيران فى المرحلة المقبلة وقد تحدثنا عن تركيا مقدمة

على ترتيب معين مع الولايات المتحدة الأمريكية، لدور كبير

وبارز فى المنطقة فى المرحلة المقبلة؟


هيكل: إنت بتجرنى لقضية فى غاية الأهمية أنا بأعتقد إنها فى منتهى

الأهمية وخاصة بالعقل العربى، مرات بنتصور كما لو إن حد فينا عنده

زراير كده، ويقدر يتكى ع الزراير دى والاندفاع، وسيبنا من إيه لمين

ما بيحصلش الكلام ده، اللى نفسى نعمله إحنا ساعات نقرر ما نريد

أن نتصوره ونرتب الوقائع على أساسه، لكن ما يجب أن نفعله

أن نقرأ الوقائع ثم ننظر، لكن ما ننظرش وبعدين نقرأ الوقائع،

اللى حاصل أولا إن حد يقول إن أمريكا سابت العراق هذا ليس صحيحا،

أمريكا لم تترك العراق لإيران.


وأنا باتصور إن أسباب الاحتكاك اللى بينهم هى دى، لكن موضوع إيران

هو أكبر من هذا، وهو إن فى دولة ساعة ما التاريخ انسحب

أو العرب انسحبوا من التاريخ لأسبابهم حصل حاجة تانية

وهى الثورة الإسلامية وحصل إنها بدأت تعمل فى إيران عملية تنمية،

دخلت التجربة اللى ممكن تواجهها أى أمة، إحنا بنقول إن

السلاح الإيرانى النووى أقلقنا، وأنا مش عارف يقلقنا ليه،

طيب أنا قدامى هنا إحصائيات الدنيا والآخرة على السلاح النووى

الإسرائيلى، ما أعرفش إذا كنا واخدين بالنا إنه ما لدى إسرائيل

أكثر مما لدى الهند وباكستان مجتمعين من قنابل نووية، اللى

عند إسرائيل نوويا أكتر من اللى عند فرنسا نوويا وأكثر من

اللى عند إنجلترا نوويا وهو يكاد يكون ــ وأنا مش عارف هو

معمول ليه ــ لكن أنا بيزعجنى جدا إنه حد يقول الله دى إيران

بتعمل سلاح نووى وبتعمل قنبلة، لكن إسرائيل عندها أكبر مخزون..

ومخزون أكبر من دول كبرى كتيرة جدا فى العالم.


ثم نحن لا نقلق، عايز أقول إن هذا ضمن أفكارنا الخطيرة جدا التى

تصورنا فيها أمريكا ثم تصورنا فيها إسرائيل، فى المرحلة

اللى اتصورنا فيها أمريكا عندها الحل، إحنا مش بس بادرنا إيران بعداء،

عايز أقولك إحنا حاولنا نعمل عمليات غزو فى إيران،

سمحنا بعمليات تخريب فى إيران أشهرها ببساطة حادثة محاولة

إنقاذ الرهائن الأمريكان اللى كانوا موجودين فى السفارة الأمريكية،

قيادتها كلها كانت فى مطار قنا، مصر مش دورها تعمل ده،

لكن مرحلة إسرائيل إحنا قلقتنا جدا، إسرائيل قلقانة إن فى

دولة تانية هتبقى نووية، طب والله أنا مستعد أحرض إيران تبقى نووية،

لو تركيا تقدر تبقى نووية أنا موافق عليها،

لو إحنا قدرنا نبقى نوويين أنا مستعد.


الجزيرة: ولكن ألا تستبعدون إمكانية تفاهم أمريكى ــ

إيرانى فى المرحلة المقبلة، هذا مستبعد برأيك؟


هيكل: أنا فى اعتقادى إن الأمريكان لن يقبلوا، شوف فى الضعف

الإسرائيلى أنا باعتقد إن إسرائيل قلقة جدا من إيران ووراء القلق الإيرانى،

فى أمريكا وفى علاقتها بإيران، أمريكا ترغب فى استعادة إيران

اللى جت لنا اللى جت قربت للعالم العربى لأسبابها برده مش

عشانى لأنها بتبحث عن عمق وعن جوار إلخ، لكن أنا اللى باستغرب

له الأمريكان عايزين يسووا مع إيران نفسهم يسووا لكن هما يعلموا

إنه فى منتهى الصعوبة.. وكلنا عارفين إن هدف أوباما هو تسوية

فى القضية الفلسطينية لكى تستطيع المنطقة كلها أن تتفرغ للخطر

الإيرانى وهذا لم ينجح، أولا لأن العرب اكتشفوا فى النهاية إنهم

معندهمش حاجة كبيرة وبعدين إيران واقفة وثابتة بتواجه التحديات،

وأنا باعرف وأى حد بيعرف إن هذا النظام ليس النظام المثالى

ولا هذا البلد هو البلد المثالى لكن مفيش ولا بلد ولا وطن فى

الدنيا مثالى، أنا باعرف إن إيران لديها مطالب طبيعية،

عايز أقولك إن السياسة الدولية هى فن إدارة مصالح متصارعة

مش متوافقة مش محتاجين سياسة لو كنا متفقين خلاص.


الجزيرة: هل تعتقد أن جزءا من أزمة السياسة العربية أو تجريف

السياسة العربية إنه أيضا لدينا أزمة زعامات بمعنى إنه فى فترة

من الفترات كان فيه الحسن الثانى، وبومدين، وجمال عبدالناصر

والملك فيصل، الآن تقريبا مع الاحترام للقادة العرب لا يوجد أحد

بمستوى قيادة، يوجد أزمة قيادة...


هيكل: أنا مش هناقش فى كل الأسماء اللى ذكرتها لكن ببساطة تذكر

عملية التجريف والتفريغ فى العالم العربى سواء

فى دخوله أو خروجه من التاريخ.


الجزيرة: ما يجرى الآن بين سوريا والسعودية من تقارب البعض يحاول

أن يصوره وكأنه محاولة لترميم وضع عربى متدهور ومتناثر،

هل تعتقد أن هذا الأمر ممكن يكون له مستقبل؟


هيكل: أنا مش متأكد، أطمئن إليه لو حسيت إنه صادر عن إستراتيجية

عليا عن تصور، لكن أما وهو فى إطار ما يقال إنه أخذ سوريا

من إيران وأخذ سوريا من تركيا فأنا يعنى، ده يدخل فى مجال ما هو

تكتيكى وألعاب تكتيكية.. أنا معنديش اعتراض..

لكن لا أعلق عليها آمالا كبيرة.


الجزيرة: فى هذه الصورة العربية كثيرون يشيرون تقريبا إلى أن منطقة

المغرب العربى، أشارت إلى حضرتك من مصر وأنت ذاهب غربا،

لكن لنقول منطقة المغرب العربى، كثيرون يشيرون إلى أن هذه المنطقة

خرجت عن ساحة النفوذ العربى أو التأثير العربى هل ترى الأمر كذلك؟


هيكل: توقف عنصر الجذب اللى على المغرب العربى جاى حديثا

سواء الثقافة والتربية والتعليم، وقوة الجذب فى المشرق كانت

بتشده ضد اعتبارات كثيرة جدا.. لما توقفت قوة الجذب التاريخى

اللى جاية من المشرق من الطبيعى إن المغرب يبص جغرافيا يبصر

لأوروبا فوق فى الشمال ويبص لنفسه فى حدود المغرب العربى كده.


الجزيرة: هناك مأخذ أو تحفظ يقال على حديث الأستاذ هيكل وهو

أن الأستاذ هيكل يشرح لنا الوضع العربى يفككه يشرحه ولكن فى النهاية

لا نعرف أين نسير أين نذهب، ما العمل؟ هل نستطيع أن نقول بعد أن

استعرضنا ولو بشكل مختصر، ما العمل أين نحن

ذاهبون بنهاية هذه الحلقة؟


هيكل: ما العمل أنا مستعد أتكلم فيه، ما العمل لا يمكن أن تصور

مستقبل بكل هذا الفراغ فى العالم العربى هذا التفريغ فى السياسة إنت

لما تقولى فى مصر على سبيل المثال إنه فى كذا مرشح لرئاسة

الجمهورية، وانت اريتنى فى الصبح جريدة الدستور وأنا داخل..

ربنا يدى للرئيس مبارك طولة العمر، عايز أقولك إنه ولا واحد

من دول ممكن ينفع محدش يقولى ده لسبب واحد إنه ليست هناك

حياة سياسية بالمعنى الحقيقى إذا انعدم صوت الحوار

إذا انعدم الرأى والرأى الآخر إذا كان فى طرف بيتكلم وطرف

بيعمل بقى لك سنين طويلة جدا، ضمرت، اختنقت السياسة فى مصر،

لما تقولى أى حد ما حدش خالص هينفع،


كريشان «ليس فقط فى مصر».

هيكل: فى كل العالم العربى «اختنقت السياسة وفى فراغ اللى كنا بنتكلم

عليه إذا أردت أن تبدأ من جديد لا بد أن تبدأ فى إعادة تأسيس دولة من

جديد وإعادة وضع دساتير حقيقية من جديد الدساتير الحقيقية لا تضعها

لجان.. الدساتير الحقيقية تعاقدية بين أمة.. طبقات أمة وعناصر أمة تعاقدية

على رؤية مستقبلها.. أنا عايز أتكلم فى ده مرة بالتفصيل ولكن واحنا

بنتكلم كده كل الأسامى دى ولا تنفع حرام كل هذه الأسامى ممكن تستعملها

فى رؤية مستقبلية أوسع لكن بقدر فتح الطريق لمل هذا الفراغ المخيف..

التفريغ اللى حدث فى الحياة السياسية فى العالم العربى.


إذا كنت عايز تواجه هذا التفريغ اللى حدث فى العالم العربى وهذا

الخروج من التاريخ يبقى إنت أمام إعادة بناء مرة أخرى من جديد.


الجزيرة: علينا أن نعود للمستوى القطرى لإعادة البناء.

هيكل: لا مش بالصورة دى يعنى إنت محتاج بدء من جديد ولا تستطيع

أن تهرب منه، كلمة أخيرة أنا مش معتقد إن فى جدوى وإن احنا بكرة

الصبح انت عارف عندنا فى العالم العربى حاجة مش متحمس لها أوى

«كاراتيه» مفتاح الموقف فى العالم العربى لعبة الكاراتيه احنا عندنا كاراتيه

أمنى وكاراتيه إعلامى أى حد بيتكلم كراتيه لكى لا تنسى لعبة

ولا رياضة نشأت دلوقت وهى الدفاع عن النفس لما يبقى معندكش

أسلحة فتدافع بإيديك وتستعمل الأكواع وتستعمل ركبك وأقدامك

وكل شىء لكى تقضى على عدو.. أنت بغير سلاح عندنا تقولى

هيبقى بفايدة مش هيبقى بفايدة اتكلم زى ما انت عاوز لكن

احنا بكرة الصبح فى لعبة كاراتيه سواء أمنية تمنع أى تغيير

والحاجة التانية عندك كاراتيه إعلامى أنا شخصيا مليش دعوة بيه

لكن انت كل نقاش سياسى عندنا على مستوى الأفراد

أو الجماعات ينتهى إلى أنه أى قوات أمنية بتلعب كاراتيه

وبتدبح الناس وكاراتيه إعلامى بيمنع يقمع أى فكرة.


إنت بتحب الكاراتيه؟!

كريشان: لا. 

هيكل: ولا أنا ما حبوش...


حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة
 الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة |مع هيكل | تجربة حياة |الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة|تجربة حياة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل| مع هيكل 










حصريا و نقلا من جريدة الشروق

النصوص الكاملة لجميع لحلقات البرنامج التليفزيوني الأشهر عربياً

(تجربة حياة) والذي تبثه قناة الجزيرة

ويقدمه الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته.


[IMG]http://alghaslan.net/wp-*******/uploads/d987d98ad983d984.jpg[/IMG]


الجزء الثالث 


قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إن على قمة الدوحة أن تمتلك شجاعة الاعتراف بأن عملية السلام يجب أن تتوقف، مطالبا القادة العرب بدخول القمة بلا جدول أعمال، وأن يحاولوا استطلاع عالم متغير لأننا فى ظرف فى منتهى الخطورة. 


وتحدث هيكل فى حوار مطول أجرته معه قناة الجزيرة أمس عن الموقف العربى بعد صدور مذكرة اعتقال الرئيس السودانى عمر البشير، مؤكدا أنه لن يتم اختطاف البشير لأن العملية كلها ابتزاز. 


وأكد هيكل أننا أصبحنا أمة مستساغة لكل من يريد أن يغامر، وهناك رؤساء عرب تتم معاملتهم فى الخارج بشكل غير جاد. 


وإلى نص الحوار: 
ماذا عن قمة الدوحة؟

قمة ينبغى أن تدخل دون جدول الأعمال، وأن تحاول استطلاع عالم متغير لأننا أمام ظرف فى منتهى الخطورة، وأننا من قبل شبهنا الإعصار المالى بسقوط حائط برلين، نحن أمام حالة سيولة عالمية مضطربة. نتصور ما هو قادم للعالم، أرى عقائد كبيرة بتقع وعقائد جديدة لا تؤكد نفسها، وأفكارا جديدة تهل وأرى فوضى فى كل مكان، وإذا كانت الأمة ممثلة فى قياداتها تريد أن تفعل شيئا فى هذا الوقت عليها أن تدخل وهى مستغنية عن جدول الأعمال. 

وفى إقليم معرض للعواصف أكثر، وعالم لم تعد له قواعد ضابطة.
على الرغم من وجود جدول أعمال، وقبل أن ننظر قضايا السياسة، هناك بعض المسائل الحديثة، منها بالأساس موضوع البشير والمحكمة الجنائية الدولية وهذه إشكاليات مطروحة.. كيف ترى المعالجة العربية الأسلم؟

جدول أعمال روتينى فى هذه المرحلة مما لا لزوم له ما يوجه القادة العرب أكثر من ذلك.

فيما يتعلق بالبشير القادة العرب لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا، أقصد لا أحد سوف يعترض البشير، نحن متعرضون لحالة ابتزاز ومفيش حد هيخطف البشير، ومثلما يقولون عندنا فى الريف المصرى: «أصبحنا الحيطة المايلة».. المحكمة الجنائية تقول: مطلوب القبض عليه.. ولدىّ ملاحظتان: 

هذه ليست المرة الأولى.. هناك رئيس عربى وضع على حبل المشنقة، وآخر موجود مطلوب تبرئته من المحكمة، وهناك رؤساء عرب تتم معاملتهم فى العالم الخارجى بشكل غير جاد.

فهذه ليست المرة الأولى، وهناك رؤساء عرب مواجهون بذلك، وإذا كان هذا صحيحا أتكلم فيه كتهمة، وإذا لم يكن صحيحا فهذه إهانة للعالم العربى. 

وإذا أردنا أن يكون «جد»، ويكون العالم «جد».

وهتقولى جريمة حرب فى دارفور.. ربما حدث جريمة فى دارفور ما عرفش ونحتاج تحقيق وليس هذا نوع التحقيق الذى يجرى، وأطلب بالتوازى تحقيقا مع ما جرى فى العراق.. بلد دُمر كل ممتلكاته وعدد الشهداء على أقل تقدير 250 ألفا، وعدد المعاقين 800 ألف، وعدد المهجرين 5 ملايين، وكذلك اللى حصل فى غزة، واللى حصل فى لبنان.. ما حدث فى دارفور هل هو جدير بتحقيق دولى أم لا؟ 
هل نحن مجرمون أم لا؟

قد نكون مجرمين، ولكن تعال نشوف إسرائيل بتعمل إيه النهارده.. فى إسرائيل بتسبق أى دعوات المحكمة الجنائية هى تذهب وتحقق بنفسها، وهى نفسها التى تفتح ملف التجاوزات الذى حدث فى غزة. 


أنا لم أعلم إلا من الصحف الإسرائيلية أن هناك «تى شيرت» موزعا على جنود سلاح «جيفاتى» عليه صورة سيدة حامل، وطلقة رصاص موجهة إلى بطنها والشعار اللى تحت الـ«تى شيرت» بيقول «قتيلين برصاصة واحدة». 

إسرائيل تنبهت أكثر مما تنبهنا، فنحن مقصرون أكثر من مجرمين، وأنا لست معجبا بما يحدث بالعالم العربى فى هذه اللحظة.

على أى الأحوال عندما تقول إسرائيل إنها بتعمل كذا وأمريكا بتعمل كذا، أنا لا أتهرب من واقعنا، ولكن يقينا إحنا مقصرون فى حق أنفسنا. 


وهذا الكلام قيل فى كل مكان، ولكن الحكومة السودانية لم تتحرك ولم تفعل شيئا، لو الحكومة السودانية بادرت وتحركت ولو أن هناك أمة عربية بادرت وتحركت فى «دارفور»، وسألت: ماذا يحدث كان أمكن تفادى هذا الموقف، ولا توجد قواعد فى العالم، هذه القواعد تطبق علينا فقط. 


وأقول للبشير لا تخف، لأن العملية ابتزاز أكثر منها اختطاف، فنحن أصبحنا ساحة مستباحة لكل من يريد أن يغامر. 
هل يمكن القول للرئيس البشير لا تعول على الموقف العربى ويبحث له عن موقف آخر؟

لأن هناك إجراءات حقيقة تمت، أتمنى أن تكون هناك جسارة ويذهب العالم العربى ويحقق فيما حدث.

فيما يتعلق بإسرائيل هناك قمة وحكومة إسرائيلية جديدة عنوانها البارز، هناك يمين ويمين متطرف على الرغم من دخول حزب العمل لتجميل الصورة. 
فما المطلوب كعرب؟

لا أعتبر باراك تجميلا للصورة، فهو من القادة الذين قتلوا بأيديهم، فهذا لا يعد تجميلا للصورة موضوع السلاح انتهى أمره، إلا أنه ليس لدينا أى شكل، فما هو جدير بالقراءة ليس شكل الائتلاف، لكن الاتفاقيات الخاصة بين ليبرمان ونتنياهو، وأنا شاهدت ورقة الاتفاق بين الاثنين، وتقول: إن ليبرمان داخل لعدة أسباب أولها تصفية حركة حماس، والأمر الثانى الاستيطان وتوسعة فى الضفة وإلقاء بعض الأراضى فيها إلى الأردن، وهذا هو البرنامج الذى سيلتزم به ليبرمان، وإذا أضفت له شارون، وباراك فستصبح أمام مسيرة معطلة. 


فيجب أن يكون أمام القمة القادمة شجاعة الاعتراف بأن عملية السلام يجب أن تتوقف لأن هذه الوزارة الأخيرة جاءت نهاية سطر أنهى عملية السلام بخيرها وشرها، وهنا فرق بين أن نوقف الاتصالات، ولكن أن تضع الأمة بنفسها خريطة فى القمة القادمة نحن أمام عدة أبواب.. باب إسرائيل، وهذا الباب مسدود تماما بهؤلاء الذين جاءوا فى الحكومة معا الثلاثة نتنياهو وليبرمان، الذى كان حارسا لملهى ليلى وباراك، الذى قتل بيده، وقد جاءنى كتاب يحتوى على حوار كنت قد أجريته مع أنشتاين، وقال لى فيه: أنا خايف على الدولة اليهودية، لأن العنف الوطنى الضيق يدمر نفسه، فالشعب الإسرائيلى يعانى حالة عنف زائدة». 
هل المطلوب منا أن نعلن انتهاء خيار السلام؟

أهم حاجة الآن فى الساحة العربية هى إجراء مصالحة فلسطينية لتحسين الوضع الفلسطينى، أهم حاجة أن العرب يعرفون أن هذا الخداع لم يعد له مبرر، ولا تحاول فى هذه اللحظة أن تتحدث عن السلام لأن العرب فى موقف شديد الضعف وإسرائيل فى موقف شديد الارتباك، ولذلك لا تحاول أن تصل إلى تسوية شاملة. 
هذه الحالة ستجعل معسكر الاعتدال من الدول العربية لتجد نفسها فى الدوحة فى وضع من الصعب الدفاع عنه، وبالتالى قد تتقدم دول فيما يسمى بمعسكر الممانعة وسوريا تحديدا، حيث تقول إن منطقها هو الأسلم فى هذا الوضع؟

ليس هناك شىء اسمه معسكر الاعتدال وليس هناك معسكر الممانعة، فما هو فى العالم العربى معسكر واحد اسمه معسكر البقاء، فلا يوجد اعتدال أو ممانعة، ولكن هناك رغبة فى التمسك بالمواقع ورغبة فى التمسح بالقوى، 

أنت فى العالم العربى أمام نظم عندها مشكلة فى علاقتها مع العصر، عندها مشكلة فى علاقتها مع القوى، عندها مشكلة انكشاف شرعية، فكله يريد أن يبقى، وكله لا يستطيع أن يحتكم إلى شرعية مستمدة من الأمة أو من الشعوب.
فى هذه الحالة.. هل تعتقد أن معسكر البقاء سيلتحم بشكل واضح فى الدوحة أم لا؟

لن يلتحم لأن هناك أسلوبا لكل طرف من الأطراف سواء لطالبى الحماية من قوى أخرى، هذه القوى لن تستطيع أن تحميها لأن هذه القوى تواجه أزمات وغير متفرغة لنا «مش فاضية لنا». 


الدول ستختلف «هيتخانقوا» لأن كل واحد منهم له غطاء مختلف. 


أتمنى ألا يفعل العالم العربى شيئا فى الدوحة إلا أن ينظر أولا إلى واقعه، وأن يدرك عدة أشياء، أولها أنه فى عالم قلق، وفى هذا العالم القلق هم مطالبون أن يصمدوا للحياة وليس للبقاء. 


قلت لك إننا أمام عدة أبواب.. ثان هذه الأبواب الباب الأمريكى.. لا هو مسدود ولا هو مفتوح ولا هو يرحب ولا هو يؤيد، ولكنه يريد للعالم العربى أن ينساق وهناك باب إيران، وإحنا اللى سادين هذا الباب وباب المصالحة بين بعضهم، وهذا ينبغى أن يفتحوه. 
ما الموجود بنية أوباما؟

لا يوجد أى شىء لأن أمريكا تعانى من مشكلة كبيرة جدا عمليا وفكريا. 

عمليا.. سبب ما حدث فى «وول استريت»، وفكريا لأن كل التصورات وأوهام القوة وصلت إلى نهاية، وشارل ديجول قال لى: إن أمريكا بالشكل اللى هى «ماشية بيه هتخرب العالم»، بس المشكلة أنه هيخربونا معاهم.

ولو لم تكن هذه الأزمة لما جاء رجل مثل أوباما فى هذه المؤسسة، ونحن فى أمريكا أمام ظاهرة رجل يستحق الإعجاب وظاهرة حدث تستحق أن يعلم أسبابها. 


فأوباما لم يصل إلى أمريكا إلا عند عمر 18 سنة، وتجربته بسيطة جدا، ولكن ظروف أزمته ساعدته فى الوقت، الذى كانت لديه كفاءة النجم وكفاءة التعبير، ونحن الآن فى زمن التعبير لكن هناك قوى رأت فى هذا النجم «أوباما» أنه سيعطى انطباعا بعدة أشياء.. أولها أن أمريكا تغيرت، كما سيعطى لحلفاء أمريكا أنها قادمة تخاطبهم بلغة أكثر تواضعا من الفترة الماضية، فهو ليس بوش أو روزفلت، أو وولسن. 


أمريكا فى أزمة اضطرتها لأن تأتى برجل عن خارج السياق، والذى رشح أوباما كان واحدا من مؤسسة جولدمان سيكس، وهى شركة من الشركات المالية الكبرى، «ثلاثة أرباع» مجلس وزارة أوباما من مؤسسة جولدمان سيكس. 
ما الذى تحمله هذه الصورة؟

ــ أمريكا فى أزمة طلبت فيها علاجا، وفى البيت الأبيض رجل مش هو القوة الحقيقية للأمريكان، ولديه وقت فراغ كبير، حتى إن أحد المحللين يتحدث عنه بأنه يشاهده يمشى فى الكلودوريات فى البيت الأبيض، ويتساءل عن أشياء لا يعرف عنها شيئا. 


مطلوب من أوباما أن تنتصر روحه، وأنا خايف عليه وإذا تنبه فيجب عليه أن يغير من عملية كسب وقت لعملية تغيير حقيقية لشىء بديل، وفيه أمل أن نتكلم معاه. 


الباب الأمريكى ليس جاهزا لنا، وليس لديه وقت لنا، وإذا كان لديه وقت فعلينا أن ننجز له، وهو مش فاضى يعملنا حاجة، هم يريدون أن نفعل شيئا لكى نسهل لأنفسنا. 


هم عينهم على الصناديق السيادية العربية، وعينهم على حل مشكلة إسرائيل. 
إذا قدر لقمة الدوحة أن يكون لها رأى فى إيران.. فما هو رأيها؟

إذا كانت القمة ستتعامل مع إيران عليها أن تدرك أنها أمام خطأ تاريخى واستراتيجى بشع إذا واصلت سياسة العداء مع إيران، إيران ليست عدوا، ولكنها جار موجود فى المنطقة، وقد تكون بيننا وبينه تناقضات، ولكن تناقضات غير عادية. 


وأنا أريد أن أعود للتاريخ، ولأننا أمام أناس لا يقرأون التاريخ، وتذكر أن المثقفين المصريين عقدوا خطبة بين شقيقة الملك فاروق ومحمد رضا بهلوى، والذى كتب العقد كان الشيخ محمد مصطفى المراغى. 


ومصر هى البلد الذى كان يرعى أسر رجال «مصدق»، وفى هذا الوقت كنا نساعد رجال الثورة الإيرانية، ومصر كانت تساعد الخمينى، ومعى وثيقة من السفير الأمريكى بطهران عام 1946 للشاه يقول له إن الإذاعة المصرية تذيع كلام الخمينى. 
هل إيران جاهزة للتحالف مع العرب أم تريدهم ورقة من ورقاتها؟

يجب أن نحدد.. لا نستطيع أن نقول شيعة، وعيب أقول شيعة، ولكن ممكن أقول نظام الثورة الإسلامية.. ممكن أزعل معاه، فأنا لست أمام حركة صهيونية، ولكن أمام شعب حقيقى مستمر فى المنطقة، وله عقيدته فالباقى هو الدول، ونحن كنا مخطئين، عندما سرنا وراء صدام حسين فى ضرب إيران، ونحن هنا هاجمنا الشعب الإيرانى. 


ويجب أن يكون هناك فرق عندما أختلف مع نظام، حيث يجب أن نحدد شيئين.. الأول: أين موقعه الحقيقى فى تاريخ وجغرافية المنطقة؟ والثانى: أين تختلف معه؟ 
توقعاتك فيما يتعلق بالقمة؟

أنا لا أعلق كثيرا عليها.. لأن باب المصالحة هو أغرب الأبواب، التى تحدثنا عنها، لأنه ليس مغلقا وليس مفتوحا لكنه ملغوم، وأنا أتمنى أن يطلعوا منه. 


وهذا الوضع ينطبق عليه بيت الشعر الذى يقول:
وتفرقوا شيعا فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين.
 


حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة
 الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة |مع هيكل | تجربة حياة |الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة|تجربة حياة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل| مع هيكل 










حصريا و نقلا من جريدة الشروق

النصوص الكاملة لجميع لحلقات البرنامج التليفزيوني الأشهر عربياً

(تجربة حياة) والذي تبثه قناة الجزيرة

ويقدمه الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته.


[IMG]http://alghaslan.net/wp-*******/uploads/d987d98ad983d984.jpg[/IMG]


الجزء الرابع
حلقة بعنوان المدافع والبشر:

بعد أسابيع من صدمة 5 يونيو سنة 67 كانت فى مصر فى واقع الأمر جبهتين، جبهة ميدان القتال والإعداد للحرب والوقوف وراء المجهود الحربى، وجبهة أخرى فى الجبهة الداخلية.

انقسام جبهتين من طبائع الأمور فى التاريخ كله فى الاستمرار فى ميدان قتال معبأ لأقصى درجة وهناك جبهة داخلية تساند فى ميدان القتال، لكن التعبئة بها ليست بالأوامر ولكن بالشعب وتعبئة مختلفة والتنبؤ والتنوع مختلف.

وجبهة ميدان القتال كان فيها جمال عبدالناصر القائد العام للقوات المسلحة فى هذا الوقت وكان الفريق فوزى وعبدالمنعم رياض وكان هناك مجلس وزراء ومجلس وزراء موجودون مهتمون أكثر بالمجهود الحربى فى جهات وفى مخابرات، وهناك جبهة تمثل الدولة بشكل عام وشكل إجمالى وبشكل معمق، ودولة موجودة تحاول أن تواجه المعركة الحربية على خط النار وجبهة أولى جبهة ميدان القتال يقودها جمال عبدالناصر، وهو كان هناك انقسام بين المدرسة الفرنسية والمدرسة الإنجليزية، الذى تحدثت عنه فى المرة السابقة والمدرسة الإنجليزية، التى تتمثل فى تشرشل، وهى القتال وأن نقف ونقاتل إلى آخر حد وفى كل شارع والجبال، وفى كل منطقة، والجبهة الأخرى المتأثرة بالمدرسة الفرنسية، التى تتصور الاستسلام لم يكن عندنا أحد على سبيل المثال يطالب بالاستسلام، لكن الجبهة الداخلية كانت بتجوب بأشياء أخرى، فأنا أتذكر أغنية صلاح جاهين يقول فيها الشعب يزحف زى النور شعب جبال والشعب بحور، كان شيئا جيدا أن يقال على الشعب، لكن الجبهة الداخلية العسكرية جبهة ميدان القتال، الأمور كانت واضحة، وأنا رأيى أن جمال عبدالناصر كانت لديه مشكلة فى ذلك الوقت من نوع غريب جدا، وقليل أن نرى قيادات لديها خبرات عسكرية، فهناك قادة قاتلوا بالفعل مثل جمال عبدالناصر فى حرب فلسطين ولديهم تجربة الإحساس بالجماهير وسط عمل شعبى وتعلق جماهير برابط معين بين شعب وبين قيادة.

قرار القتال 

العسكرى الموجود فى جمال عبدالناصر ينادى بالقتال وروح المبادأة والسياسى الموجود فيه وهو الوجه الآخر من جمال عبدالناصر يعلم أن قرار المقاتل ينطوى على تضحيات كبيرة جدا وهو رجل خبرة.

فهو لديه زملاء له وجنود يقعون فى ميدان القتال، ويكون موجودا بينهم ويتصور أيضا واقع الأسر وهو أسرته نفسها كانت معرضة، ويصل لها جواب من إدارة الشىءون العاملة بالقوات المسلحة فى فلسطين باستشهاد فلان.

فهو كان يشعر وهو يدفع للقتال بكل وسيلة بأن هناك وجها آخر إنسانيا فقرار القتال يجب أن يؤخذ بأعصاب باردة، وأنا أتذكر تحديدا كيف كان يتعذب ويعلم ضغطه من أجل استمرار المبادأة ومن أجل القتال باستمرار وعدم ترك الجبهة العسكرية تخمد أو تبرد، كيف كان هذا مكلفا من الناحية الإنسانية الأخرى. لكن أعتقد أنه فى مجمل الأحوال أن الجبهة العسكرية كانت متحركة، وأظن أنه رأينا فيها أشياء بديعة فقد رأينا بعد أقل من أسبوعين، فكرة أن الإسرائيليين احتلوا سيناء فى منطقة الشمال شرق بورفؤاد، لم يحتلوها لأنها منطقة السبخة لم يستطيعوا دخولها حتى بعد 10 أيام، وتقرر الدخول فى معركة، وكانت معركة رأس العش وأظن أن الذين حاربوا فيها أبلوا بلاء حسنا، وأنه بالفعل ظلت هذه المنطقة موطئ القدم موجود، لكن بعد تضحيات واضحة وكبيرة بالدم.

وعندما جاء الإسرائيليون على الضفة الأخرى وهم مفاجأون بالوصول لضفة قناة السويس، فالإغراء للوصول لقناة السويس عندما وجدوا الطريق مفتوحا أمام الإسرائيلين سنة 67 كانت هناك قوات كثيرة لم يأخذوا بالهم، وأظن أننا خسرنا فى هذه الحرب 6 آلاف، وكانوا من الممكن أن يصلوا لـ60 ألفا لو لم يغتر الإسرائيليون بفكرة الوصول لشاطئ قناة السويس، ولو أمكن للقوات أن تخرج وتنقذ، صحيح أن الكثير كان غاضبا لكن أنقذ كثيرون، وقلت الخسائر مما كان يمكن أن تكون عليه الحمد لله، لكن عندما وصلت إسرائيل شاطئ قناة السويس وهم يريدون تقليل أعباء التعبئة العامة لأن التعبئة العامة لإسرائيل عبء لا يحتمل فبدأوا فى إنشاء مواقع مراقبة، وتحولت لنوع من الدشم وأصبحت فيما بعد ما نسميه الآن خط بارليف، ولكن فى بداية إنشائهم لهذه الدشم (وهى عبارة عن مواقع محصنة صغيرة على مواقع مختلفة من قناة السويس) بدأت عملية إطلاق النار، وبدا هناك نوع من حرب المدافع تدق هذه المواقع كل ما تجد شيئا منهم تخرجه.

وبعد ذلك حدث شىء مهم للغاية متمثلا فى إغراق المدمرة الاسرائيلية إيلات، التى وضعت لتسد فوهة قناة السويس، والتى لم تغطها الدشم المتمثلة فى خط بارليف، وبدأت فى دوريات بمنطق أنها تكمل غلق قناة السويس وتكمل خط الدشم، وفى يوم من الأيام قابل الفريق فوزى جمال عبدالناصر يقول له إن شباب البحرية مستفزين من هذه المدمرة، وهم فى اعتقادهم أنهم بإمكانهم إغراقها، لكن هذا يحتاج لقرار سياسى فى هذه اللحظة لأنه بالكاد استطعنا تثبيت وقف إطلاق النار بشكل أو بآخر ومعارك تدمير الدشم دائرة على الجبهة، وعلى الرغم من خطورتها فى لفت الأنظار إلا أنه ليس ثابتا على الخطوط، وأن الإسرائيليين بدأوا فى ضرب مصانع تكرير الوقود فى السويس، وكان هذا مكلفا تكلفة عالية للغاية لو كنا تركناه لكن فى هذا الوقت بدأ مهندسون بالقيام بعمل بطولى، وتم فك مصانع التكرير تحت النار، ونقلت تقريبا سليمة بخسائر قليلة جدا بجوار الإسكندرية بمنطقة الملاحات بعيدا عن ضرب المدافع والطائرات.

وعندما نقل الفريق فوزى رغبة شباب البحرية بوضع مخطط وضرب المدمرة إيلات، أعطى جمال عبدالناصر الضوء الأخضر، لتنفيذها ونفذت بنجاح كبير، وأنا أمامى تقارير المجلس الدولى الأمريكى فى ذلك الوقت، التى فيها مقتل 47 ضابطا وجنديا إسرائيليا ونحو 100 جريح، أما تقرير المجلس الأمن القومى الأمريكى يقولون إن القوارب المصرية وجهت لإيلات 4 صواريخ، واندهش التقرير لدخول 3 صواريخ فى المدمرة مباشرة وصاروخ واحد وقع بالقرب منها، ويقول التقرير إنهم مندهشون من هذه الدقة والجرأة وهذه البسالة وبنجاح ضخم جدا.

«الجبهة الداخلية»

كانت هناك جبهة حية، فى قناة السويس ولكن فى الداخل سنترك جبهة ميدان القتال وهى تؤدى دورها بالتصاعد وبالمخاطر وبنزيف الدم لكن المهم ألا تقف الجبهة وتبرد وتخمد لأن هذا مهم جدا إذا أردت أن تحصل، وهذا منطق العالم كله الروس والأمريكان والعالم العربى مسألة مهمة فضلا عن أهمية القتال فى حد ذاته هناك لفت أنظار إلى أن هناك شعبا يقاوم وحتى لو وقف فيها وحده.

بالنسبة للجبهة الداخلية فلما نقول الشعب «يزحف زى النور شعب جبال وشعب بحور» هذا كلام جميل لكنه كلام أغانى، وأنه فى واقع الأمر شعب طبقات وشعب فئات بأفكار والشعب حياة كل يوم، وبالتالى نحن لدينا مشكلة كبيرة فى تعبئة الجبهة الداخلية، فالأخيرة من الممكن أن تتماسك جدا فى حالة حرب مستمرة وحرب متصلة، ولكن إذا كانت عندنا حرب فهى حرب بطيئة لا تحرك الأعصاب كما ينبغى، ونحن كنا نحتاج لوقت بعد تعرض قواتنا المسلحة لكارثة يوم 5 يونيو وما بعده، فمن الطبيعى أن تظهر فى الجبهة الداخلية ما يسمى فى اللغة الفرنسية بالملاذ أو الإحساس بالضيق والإحساس بعدم الراحة، وكان ذلك طبيعيا بعد أحداث 5 يوينو، الذى استوجب إعادة نظر بعدها وهذا فى كل الأمم، وفى كل الشعوب، وأصبح فى الجبهة الداخلية شعور بالضيق والاكتئاب والقلق، وأصبح هناك وجع حقيقى كل الناس تشعر به، وكان ينبغى التنبوء إليه، وأنا أعتقد أن جمال عبدالناصر كان لديه الاستعداد لكى يفهم ما فى داخل الجبهة الداخلية ويفهم أنه بعد التعبئة، وبعد الشدة كلها وأنه بعد كل ما جرى ستحدث لحظة عودة للنفس والتفكير والتأمل واللوم والحساب وطلب الحساب، فهناك شعور طبيعى جدا بهذا الشكل.

«التيار الإسلامى»

لكن الجبهة الداخلية بدأ فيها ظهور تيار كبير هو التيار الإسلامى ودخل هذا التيار فى أفكار ومحاولات وتجارب وأصبح مشروع، فبعد سقوط الخلافة نشأت فى مصر حركة الإخوان المسلمين، وتصورت أن الجانب الإسلامى سيكون مستضعفا فى فترة ما بعد سقوط الخلافة وأنه يحتاج لتنظيم قوى، وهو ما فعله حسن البنا.

وبدأ التصور فى تحالف الإخوان المسلمين مع الملك فاروق وأنه مؤسس فكرة الخلافة فى ذلك الوقت فى تصورهم ثم اختلفوا مع مجمل الحياة السياسية فى مصر والوفد، وهم قريبون من الملك والوفد بعيدون عن الملك فى ذلك الوقت، وبدأ الصدام وصعد التنظيم السرى فى ذلك الوقت، ودخل التنظيم السرى وبدأت حركة الاغتيالات وتعرض رئيسهم حسن البنا للقتل بأمر من الملك فاروق، وذلك بعد أن فقد فاروق رئيس وزارئه وقائد جيشه وأهم مستشاريه المستشار حسن خازندار.

فى الإخوان المسلمين هناك تيار مقاتل بشكل أو بآخر وعندما جاءت الثورة تصور «الإخوان المسلمين» أن لهم فى الثورة أكثر مما كان لهم ثم وقع صدام أنا لا أريد الدخول فيه، لكن النتيجة كان هناك تيار إسلامى كله موجود قد يكون نتيجة الحرب، واعتقدوا أنه بعد الوصول للمأزق، الذى فيه القيادة اعتقدوا أن يكون الإسلام هو الحل.

لكن كان هناك من التيار الإسلامى فى ذلك الوقت أعتقد أنهم خرجوا خارج الحدود قليلا، وأنا فى ذهنى أتذكر موقف الشيخ متولى الشعرواى أنه حينما سمع بضرب الجيش المصرى قام وتوضأ وصلى ركعتين لله حمدا لله على أن السلاح السوفييتى، الذى كان فى أيدى القوات المصرية لم ينتصر، هذا السلاح شيوعى أم ليس شيوعيا، بل سلاح فى أيد وطنية يقاتل فى يد الوطنية ويقاتل فى يد الإسلام، وأنا أعتقد أنه كان هناك تجاوز للخطوط الفاصلة بين ما هو عام أو ما هو خاص ومحدد، وبين ما هو فئوى وحزبى. واعتقد أنها حالة متجاوزة بما فيها الثورة وفكرة الوطن، وحينما يكون هناك عدوان على الوطن فهذه قضية أخرى مختلفة.

فالإخوان كان موجودا بين شعب جبال وشعب نور، وهو كلام صلاح جاهين والإخوان كانوا موجودين ككتلة فى ذلك الوقت ليس فقط حزينة مثل كل الناس، ولكن تتصور فى نفسها القدرة على أن تكون بديلا، كما أن الشيوعيين قد تصورا أنهم باستمرار فى تناقض مع الوطنية بالمعنى التقليدى، وكانت لهم رؤى والحركة الثورية العالمية، وكل هذه الأشياء والتنقلات الطبقية المتجاوزة الحدود إلى آخره، ويتصوروا أن التجربة الوطنية، والقومية فى مصر وقد وصلت إلى هذا المأزق، وكان هناك خلط بين الحرب والثورة كعمل ثورى خارق للعمل الطبيعى وما بين الثورة بمعناها الاجتماعى، وفى ذلك الوقت إخواننا الشيوعيون أن الثورة كانت لطبقة متوسطة صغيرة وأن هذه الطبقة قامت بعمل أنصاف حلول وآن الآن، جاء الوقت لتكون هناك حلول ثورية كاملة، وأنا أعتقد بعد أن دخلت فى معارك عنيفة وبعضها قاسٍ أن هذا أيضا ليس هو الموجود وأن بمقدار ما ألاحظه من التيار الإسلامى وخروجه وحتى فى ذلك الوقت ظهر التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، وكان فيه الدكتور سعيد رمضان وجاء فى تصوره حركة إسلامية عالمية مثل الحكومة الأممية شيوعية تحت لواء الاتحاد السوفييتى بصرف النظر عن أى شىء آخر، وكان إخواننا الشيوعيين فى موقف آخر نقيض للإخوان المسلمين، لكن فى نفس الاتجاه والمنطق وهو أنه جاء وقت الحزم ووقت الفرز ووقت القطع وإما أناس مقاومين أو مستسلمين، أو أناس مع أو ضد أفكارهم وهذا لا يقبل أنصاف حلول.

«استقطابات خطيرة»

وللأسف انتقل هذا من مشاعر عامة لبعض أجنحة السلطة مثل الجناح الاشتراكى كضرورة الحزم، ودخلنا فى استقطابات خطيرة بأن الجبهة فى القتال على خط السويس مشتعلة وموجودة فى القاهرة وفى البلاد أشياء أخرى مختلفة فى النوع وهذا طبيعى، كنت أدعو فى وقتها لتفهمها ووضعها فى إطارها الصحيح مع الإخوان المسلمين ومع التيار الإسلامى ومع التيار الشيوعى، ونشأت أيضا مراكز كثيرة جدا فى القاهرة، بمعنى أنه عدد كبير جدا من المسئولين السابقين، وهذا طبيعى، وعدد من أبناء العائلات القديمة التى أضيرت بالقوانين الاشتراكية، وهذا طبيعى ومنطقى أيضا، وبدأ موجود فى النوادى كنادى الجزيرة والصيد والسيارات كانت هناك أعداد تتكلم على أن الاعتماد على الحرب كلام لن يصح، وأنا أتذكر بعد خروج الضباط من الخدمة ظلوا متمركزين فى نادى سبورتنج بمصر الجديدة، ويقولون ليس هناك أى فائدة من المعركة لأنه كلما شاهدنا من الروس سلاحا لم يفعل شيئا، وأن الأمريكان سيعطون الإسرائيليين ما هو أقوى منه.

وهناك من المثقفين أيضا فقد جاء لى توفيق الحكيم فى مبنى الأهرام القديم، وهو من هو فى الحياة الثقافية والفكرية فى مصر ودخل عندى، وكنت أفخر وقتها بالمجموعة الكبيرة المثقفة التى اشتغلت معى فى الأهرام ولن تتكرر فى تاريخ مصر.

وعندما جاء لى توفيق الحكيم، شعرت بوجود شىء خاصة أنه لم يحدثنى هاتفيا، وقال لى أنا وأحد أصدقائنا نريد أن نجلس معا ولم يوافق على الجلوس فى الأهرام واقترح أن نجلس فى فندق يسمى إيزيس أمام هيلتون النيل وقتها وذهبت فى تمام الساعة السادسة، وجدت الدكتور حسين فوزى الناقد الفنى وزكى نجيب محمود والدكتور لويس عوض، وقلت وقتها إننى أمام مجمع حكماء، وقال لى لويس إنه حاول أن يدعو طه حسين للجلوس معنا لكنه لأسباب معينة ولأنه لا يخرج ليلا ــ وهم قمم كل فى مجاله وليس هناك أى مناقشة فى ذلك.

ثم بدأ توفيق الحكيم يقول نريد أن نتحدث فى الموقف الموجود لأن هذا الموقف يحتاج إعادة النظر فى أشياء كثيرة جدا وترك توفيق المجال لحسين فوزى للشرح، وتولى الأخير الشرح وكان منفعلا للغاية وهو يتحدث لى، وكان ملخص كلامه أننا الآن فى حاجة لمراجعة وأننا فى الوطن العربى، وفى مصر بطبيعتنا نتجه باستمرار شمالا عبر البحر وإلى فرنسا وأن هذا هو مجال التقدم الحقيقى ومفتاح التقدم، وأما موضوع العرب فكان غير مقتنع به، وتساءل حسين فوزى: ما الذى بيننا وبين اليهود بالضبط فلم أرد عليه ولم أقاطعه؟

وأكمل يقول من الممكن أن نسألهم: ماذا يريدون وأن الاستمرار فى الحرب دون مراجعة مواقفنا، وأنا كان لى رأى أقوله فى كل مكان، كل رجل مفكر له رأى ذو قيمة دعه يطرحه دون تردد وكل فكرة تطرأ لرجل سياسى أو غير سياسى وهو ورائه تجربة لابد من مناقشتها، لأنه لو بقينا نخاف من المناقشة سنظل فى إطار المعروف والموصوف وبلا أمل.

وكان لدى استعداد أن أسمعهم دون مقاطعة أحد لكنى فوجئت بحسين فوزى ولويس عوض ونجيب محفوظ.

وحاولت التحدث فى كل كلمة أثاروها قلت لهم وذكرتهم بأننا الآن فى معركة وطنية، وذكرتهم بمواقف الفرنسيين المقابلين لهم حتى فى التجربة الفرنسية وحتى مع استسلام بيتان، وذكرتهم بالمفكر الفرنسى الشهير أندريه الذى كان فى ذلك الوقت تطوع فى الطيران وألف فرقة ودخل فى قتال لأن فى لحظة من اللحظات الأوطان تستدعى كل أبنائها وهنا خطر حقيقى.

وتحدثت عن العروبة وتناقشنا فيها كثيرا ولكنى كنت أرى أنه ليس هذا الوقت المناسب لها، لكن هذا كان قلقا حقيقيا من مثقفين لهم قدرهم ولهم إسهامهم فى تشكيل وفى تكوين الفكر فى هذا البلد وقلت لهم، أنا مستعد أن أرتب لكم تقابلوا جمال عبدالناصر، رفض الجميع إلا حسين فوزى، ولابد أن أقول أن توفيق ولويس عوض ونجيب محفوظ لم يكونوا متحمسين، وطلبوا منى الحديث معه، وقالوا لى إنهم يثقون فى نقل أفكارهم بطريقة منطقية.

لكن كل هذا فى الجبهة الداخلية ينعكس فى أشياء كثيرة جدا، وينعكس فى أنه فى أوقات الأزمات لكن الأفكار لا تبنى على الطريقة الحادة، والمواقف باستمرار لها قدرة مغناطيس تجذب أفكار قريبة منها ثم تحدد مواقف أكثر من ما يريده أصحابها، لكننا نجد أن هناك ظروفا تنشأ ومواقف يقف فيها أفراد قد يتصارعون وقد يتواجهون وقد يختلفون دون قصد من أحد لكن هناك حقائق وطبائع صراع وهناك أفكار وجاذبية مغناطيس فى مواقف معينة.

«أفكار على المحك»

رجعت لأوراقى فى ذلك الوقت ووجدت معارك دارت بين أفكار مختلفة ومواقع تبدو متعارضة وهى فى الأصل لم تكن متعارضة، لكننى فى ذلك الوقت وجدت نفسى فى موقف متعارض تماما مع على صبرى وأنا أعتقد فى رجل بمثل ذكاء على صبرى وفى وطنيته بالطبع وفى دوره، لأنه كان رئيس الوزراء والمسئول عن تنفيذ الخطة الأولى بالكامل، وهى أكبر دليل تحقق فى تاريخ مصر فى التنمية.

وهنا كان هناك معسكر الثورة إلى آخر مدى وكان فى المعسكر أن القضية وطنية أن أنواع الأشياء مختلفة، وفرزت كل أوراقى سواء ما اكتبه بخطى أو أوراق لنماذج للقضايا، التى كانت موجودة عندى، فوجدت قضية الجامعة الأمريكية، التى وضعت تحت الحراسة بعد الحرب وظهر رأى يتزعمه الدكتور لبيب شقير بتأييد على صبرى بانضمامها للجامعة المصرية، وكلية من الكليات الجامعة المصرية وأنا وغيرى كنا نقف فى هذا الموضوع لأن موضوع الجامعة الأمريكية فى القاهرة وفى بيروت، وكنت أعرف أساس التبشير الذى فيهم وكل الأحوال لكن هذه المؤسسات قامت بدور تعليمى ينبغى المحافظة عليه، مع العلم أننى قلق من التعليم فى مصر الآن والمناهج بمليون تعليم لكنى أتكلم فى قضية أخرى، لكن الحفاظ على الجامعة الأمريكية فى ذلك الوقت مسألة لها قيمة الحمد لله أنه ما بين التيارات المتعارضة جمال عبدالناصر لأنه لديه القرار، وهو الذى يقود المعركة، كلنا كنا نحتكم إليه وأظنه فى هذه الفترة من حوار أو صدام الداخل أو خلاف التيارات وحركتها فى الداخل أظن أنها من أحسن أدواره فى اعتقادى، فكان من المرات حاسما ومرات حزينا، واعتقد أننا لجأنا إليه كثيرا لوقف تجاوزات وجدناها قد تكون على خطأ أو على صواب أنا فى ذلك الوقت رجوته فى ضم صوته لأناس كثيرين لوقف ضم الجامعة الأمريكية.

الشىء الآخر جوابان من محمد عبدالوهاب فى قضيتى صلاح نصر وقضية انحراف بعض العناصر فى جهاز المخابرات، وهى قضية مزعجة كلها لكن بشكل ما جاء اسم محمد عبدالوهاب فى هذا الموضوع لأن عبدالوهاب كان يعزم فى منزله أناسا وفنانين وفنانات، وأتذكر يوما ما نظم عبدالوهاب حفلة لرئيس وزراء السودان محمد أحمد محجوب، وذهبت للحفلة ووجدت صلاح نصر وشمس بدران وقلت لمحمد عبدالوهاب فقال لى إيه يا اخويا مش هما دول الشديد القوى فقلت له مش معاك إنت، وفوجئت بجواب من محمد عبدالوهاب أنه فى بيروت ومريض، هناك أقاويل إن اسمى مطلوب فى القضية وعلى الفور تحدثت مع جمال عبدالناصر، وبالطبع محمد عبدالوهاب علم فى الحياة الفنية فى مصر، ولم يستطع أحد تجاوزه، وأرسلت له جليل البندارى محرر الشىءون الفنية وجلال جويلى من محررى الصفحة الأخيرة فى الأهرام فى ذلك الوقت لكى يعودوا معه ويشعر باطمئنان.

وبعد ذلك وجدت جوابا من فؤاد سراج الدين باشا وقد غضب بعض الناس منى بأن ترجيت عودة محمد عبدالوهاب، وعندما جاء لى فؤاد باشا فى المكتب هناك أناس يغضبون منى لكن هؤلاء هم أصدقاء لى قبل الثورة، ولا يمكن بعد الثورة أن أتنكر لأحد، وفى ظرف فيه وطنية للثورة فى اعتقادى وهناك دواعٍ أكبر جدا من كل، بطريقة قاطعة حاسمة بمعركة أولا معركة وثورة أو لا ثورة فى هذه الظروف ووجدت فؤاد باشا يقول لى إن زينب هانم الوكيل حرم النحاس باشا تقتضى الأمور أن تسافر، وجاء لى بجواب وجواب آخر لعبدالناصر ولم يكن يتصور أنه سيقابلنى نظرا لانشغالى لكن حينما عرفت بوجوده دخل، وقدمت له فنجان قهوة وتحدث معى وتحدثت مع جمال عبدالناصر على الفور ووافق بدوره وأعطى إذنا لزينب هانم تسافر وأى وسيلة انتقال تريده، لكن هناك أناسا غضبوا منى، واعتبرونى أتحالف مع الرجعية لكنى لم أتحالف مع الرجعية والله، لكن هناك قضايا أكبر من أشياء كثيرة أخرى، ونرى مثلا الشاعر نزار قبانى، كيف يمكن أن نمنع شاعرا مثل نزار قبانى بعد أن صدم بالنكسة وكتب قصيدة قد لا تعجب بعض الناس لكنه هذا شعوره الصادق، وأجده يرسل لى جوابين متلاحقين فى أسبوعين يقول أخى محمد قصيدتى عملت كذا وكذا إلى آخره، وهو رأى الحملات عليه، وقال إنه يرى اللحظات وهناك شاعر يقدر، وشاعر لا تطبق عليه قواعد مع أو ضد ولا تطبق عليه حرب وثورة أو استسلام، والمسائل تقتضى جبهة داخلية تعرضت لصدمة والناس يجب أن تكون فاهمة، وأجد نزار يشكو لى ويقول إنه كلام لا يعقل.

«رسالة من محمد نجيب»

أرسل لى اللواء محمد نجيب من المرج جوابا ووجدت بعدها أجراسا تدق لأننى على اتصال بمحمد نجيب، ومحمد نجيب رجل له قدره فى تاريخ مصر والظروف بشكل أو بآخر قضت بأشياء أخرى، وهو موجود بقصر المرج ومحددة إقامته، فهذا موضوع آخر، وأرسل لى جوابا مع أحد الأشخاص، ويسألنى أحدهم ما محتوى رسالة محمد نجيب فى هذه الظروف، يا جماعة محمد نجيب هو محمد نجيب ومسألة أن يرسل لى جوابا فى هذه الظروف هذا طبيعى وما يطلبه أنا استجيب له لأن البلد فى حالة أخرى، وأن الاستقطاب الحاد كله لا مبرر له أجد اللواء أحمد فؤاد صادق كان رئيس أركان حرب وقائد قوات المسلحة فى حرب فلسطين، وأجده يرسل لى جوابا يقول لى أحييك وأريد مقابلتك لمدة 20 دقيقة وعليك أن تتفضل بإخبارى فى أى وقت، مهما كان الوقت متأخرا، ومضى على الجواب المخلص أحمد فؤاد صادق قائد قوات، وسألت: لماذا سأرى فؤاد صادق الآن؟.

وأنا أقول إننا فى جبهة داخلية مختلفة أصابها ما أصابها وهذا وقت الوطنية ولا أحد يقول لى ويزايد عليا بكلام ثورة، ثم وجدت نفسى واقفا أمام التنظيم الطليعى للاتحاد الاشتراكى غاضبون أيضا من كتابة أحمد فرغلى باشا جوابات يحكى لى فيها عن أحواله حتى لدرجة محمد أحمد فرغلى باشا، وهو من هو فى تجارة القطن، وهو من هو فى الاقتصاد المصرى ورجل أعرفه من زمان، وكنت أود أن يكون هناك رجال من جهاز الدولة يستبعد كل هذا كله، ويشعر بوجود قضية وحقوق والوطنية، لها مقتضيات، حرب وطنية لها مقتضيات مختلفة، ولكن لا أحد يتصور أن هناك مع أو ضد وأنا فى رأى أنه لا يصلح فى ذلك الوقت وبعد ذلك أجد حملة شديدة جدا ترجيت فيها جمال عبدالناصر، صدر قرار بأن الحراسات الموجودة على بعض أفراد الأسرة المالكة فى السعودية تترفع وحتى الملك فيصل كانت هناك حراسة على أملاكه فى وقت الخلافات الشديدة، فى 64 و65، وكل هذا الكلام، وبعد أن تقرر رفع الحراسات على الأسرة المالكة السعودية، فلماذا لم ترفع عن بعض أبناء المصريين، وأنا أفهم وأقدر حدثت أشياء بعضها تستدعى الملاحظة وتستدعى إعادة النظر، وقد أصدر عبدالناصر قرارا برفع الحراسات لكن هذا أدخلنى فى إشكالات بلا حدود وعليها نار مشتعلة طول الوقت، وهناك جبهة بالداخل بها التموجات الطبيعية وردود الفعل الطبيعية والمشاعر الطبيعية، التى تخرج بعد زلزال، فأناس كثيرون يكون عندهم ما يسمى بالملاذ لابد من أخذه ولا بد من احترامه ولابد أن نرى كيف أن نعالج بعض الجراحات القديمة لأنه هناك ضرورات فى فرز الأوطان، وأعتقد أن هناك فى الأوطان كلها فى حاجة للوحدة الوطنية، وفى حاجة للجامع الشامل ويجعل كل الناس واقفة وكل الناس تشعر بأن لها دور ولم يتفضل أحد على أحد يعطيه دورا أو لا يعطيه، لكن حينما يكون الوطن فى خطر كل فرد فيه له حق فى دوره، وليس فى مقدور أحد إطلاقا أن يحجب هذا الدور


|حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة
 الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة |مع هيكل | تجربة حياة |الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة|تجربة حياة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل| مع هيكل 










حصريا و نقلا من جريدة الشروق

النصوص الكاملة لجميع لحلقات البرنامج التليفزيوني الأشهر عربياً

(تجربة حياة) والذي تبثه قناة الجزيرة

ويقدمه الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته.


[IMG]http://alghaslan.net/wp-*******/uploads/d987d98ad983d984.jpg[/IMG]


الجزء الخامس







فى أعقاب الصدمة التى جاءت بعد هزيمة 67 بدا أن عقدة العقد فى الموقف كله هو الوضع الدولى.

فى الداخل يستطيع أى طرف موجود أن يحصل على ثقة الناس بشكل أو بآخر وأن يجمع الجبهة الداخلية وأن يضم صفوفها وأن يعبئها للمعركة.

وفى الخارج، فى الإقليم تحديدا كان من الممكن أن يستثير واقع الصدمة همما، وأن يستدعى نسيان خلافات سابقة طويلة، ووضع أساس جبهة عربية تقوم عليها جبهة شرقية طبقا لاستراتيجية متصورة لمعركة حتمية قادمة.

لكن الوضع الدولى لا يستطيع طرف محلى أن يتحكم فيه أو يديره وحده أو يتصور أن القرار فى يده.

وهناك مسألة مهمة جدا، هى وجود حالة من استقطاب قوتين فى المنطقة، القوة الأولى هى الاتحاد السوفيتى الذى ساندنا بشكل أو بآخر والحقيقة إلى مدى كبير، وقوى كبرى غربية لها عندنا مصالح طائلة لكنها تساعد الطرف الآخر وهو إسرائيل بتصور إن إسرائيل هى الدولة القادرة على ضبط الإيقاع فى المنطقة بالقوة، وهذا هو المنطق الأمريكى على أى حال.

وهناك أسلحة تبيعها أمريكا للدول العربية لكن هذه الأسلحة لا تقاتل وهذا واضح ومعروف، ولن تستطيع أمريكا لا اليوم ولا غدا ولا حتى بالأمس أن تعطى أى أسلحة لطرف عربى يقاتل بها إسرائيل، فالسلاح الوحيد الذى كان موجودا فى ذلك الوقت هو السلاح السوفيتى والسلاح السوفيتى ليس متاحا بأى طريقة كما يتصور البعض، فالسلاح السوفيتى تحكمه سياسات الدولة السوفيتية.

إشارات متناقضة

وعلى الجانب السوفيتى كانت هناك مشكلة واضحة جدا أظن أنه من مخاطر ما جرى فى 67 أن نحسن فهم الأوضاع السوفيتية خصوصا فى ذلك الوقت، لأن القوة السوفيتية كانت تدخل ــ وأريد أن أوضح أننا نتحدث عن دولة لم تعد موجودة على خريطة العالم ولم يعد هناك ما يسمى بالاتحاد السوفيتى ــ لكنها كانت قوى خطيرة وكبيرة وتبدو ظاهريا متماسكة كانت هناك أشياء أخرى لم نكن متنبيهن لها بالقدر الكافى، ونحن بالفعل نعرف أشياء ونسمع لغات تبدو متناقضة فالعسكريون مثلا نجدهم يتحدثون عن شىء والسياسيون عن شىء آخر، ونجد مِن العسكريين مَن يشجع ما هو غير متصور أو أكثر مما هو متوقع ونجد من يحذر من الخطورة والسياسات، والذى غاب عنا فى ذلك الوقت أن هذا كله وراءه شىء يتمثل فى بنيان الدولة السوفيتية فى حد ذاتها، أضيف إليه حجم الصراعات والاختبارات التى دخلت فيها بعد الحرب العالمية الثانية، فيما يتعلق بالقوة السوفيتية فنحن لم ندرس بالقدر الكافى العلاقات بين الدولتين.

هناك خطأ أساسى حدث فى بنيان الاتحاد السوفيتى، فعندما واجهت الإمبراطورية الروسية القديمة ما بعد الحرب العالمية الأولى لينين بأحلامه وتصوراته والذى تصور أنه يستطيع حل مشكلة الأقليات بتصور العقيدة المشتركة ووحدة العمال وحقوق العمال والفلاحين، تصور أن العقيدة السوفيتية تستطيع أن تغطى كل تناقضات الإمبراطورية القومية والوطنية والعرقية، ومشكلة الوطنيات وقتها لم تجد حلا، جمهوريات كثيرة ضمت للاتحاد السوفيتى، وفى العصر الإمبراطورى أوكرانيا وروسيا وجورجيا وأرمينيا وكازخستان.

وبالتالى نحن أمام كيان غطت عليه عقيدة مشتركة وقوة بدت لنا مؤثرة وهى بالفعل مؤثرة لكن القاعدة تحت هذه الهيبة، وتحت هذا الغطاء الكبير الذى يسمى الاتحاد السوفيتى كان هناك كم كبير من التناقضات ولذلك كان هناك خطأ فى ترجمة الإشارات، فعندما وقف جريتشكو مع شمس بدران تحت الطائرة وقبل نشوب معارك يونية وقال: «إحنا معكم وسنسير معكم»، ونجد بعد ذلك كوستيجين يحذر ويقول: «لا توصلوا الأمور إلى صدام»، وهناك بلد أمامى قوى جدا والإشارات التى تأتى منه أنا لا أحسن ترجمتها وبالتالى عندى مشكلة لم نكن متنبهين لها فى اعتقادى بالقدر الكافى وأعتقد أنه فى هذه الفترة أديرت فى مصر، أوسع مناقشة على الاستراتيجية المتصورة فى مصر فى كل تاريخها، على الأقل، إما قرأت عنه أو تابعته، وفى هذه الفترة اعتقد أن جمال عبدالناصر أنه كان فى حاجة شديدة جدا لعملية إعادة فهم وإعادة تقييم وإعادة دراسة الوضع الدولى كله، لأنه وضع أمامه الاتحاد السوفيتى وعدة مواقف رآها علنا وبعضها متناقض، فهو على سبيل المثال استمع لكلام أنور السادات لما مر على موسكو قادما من كوريا 11 مايو وتحذير لأنور السادات كان واضحا أن هناك عمليات على سوريا، لكن فى يومين قال كوستيجين شيئا آخر غير كلام سيمونوف لأنور السادات، واستغل الأمريكان التناقضات فى الموقف السوفيتى.

ففى يوم 27 يوينو لما ذهب السفير السوفيتى وأيقظه من النوم يقول له إن هناك معلومات وصلت للأمريكان فى هذه اللحظة من الإسرائيليين تقول إنكم تستعدون للهجوم.

وطلب عدم تعقيد الموقف وكانت هذه رسالة لكوستيجن ينقلها عن وزير خارجية أمريكا دين كوراس والمسألة الأخرى أن هناك تيارات أمريكية يوم المعارك والانسحاب يوم 6 و7 ومرت وقتها 6 طائرات أمريكية فوق سيناء ومسحت كل المسافة جنوبا من ناحية البحر الأحمر وعبرت وهبطت على حاملة طائرات فى البحر الأبيض ومرت فوق سيناء.

ولم يأت إيضاح من الأمريكان حول هذا الأمر وجاء من كوستيجن لجمال عبدالناصر يقول له إنه اتصل به أمريكان وأبلغوه بعدم القلق من هذه الطائرات التى عبرت الأجواء المصرية لأنها فى مهمة بريئة هى الكشف عن محالاوت التحرش الإسرائيلى فى البحر الأبيض وهم يريدون كشفها ويحددوا موقفهم منها، ولذا مروا من سيناء تقليلا للإجراءات، فكيف يمكن أن يستخدم الأمريكان الاتحاد السوفيتى وسيلة لإبلاغ الرسائل؟!، وهذه حالة كان يجب دراستها فيما يتعلق بالاتحاد السوفيتى.

وهنا أنت لديك طرف تعتمد عليه كجزء أكبر مما تريد ومما هو مطلوب فى المعركة، ومن ناحية أخرى أنت حائر فى تصرفاته ولا تستطيع أن تحدد فيها شيئا إلى جانب ظهور شىء آخر كان أمامنا هو وجود عملية تشجيع أمريكى بشكل ما وتراجع سوفيتى بشكل ما وهو الأمر الذى أنهى الحرب الباردة، وكلا الطرفان أرهقهما الحرب الباردة لكن أحدهم لديه موارد كبيرة جدا لم تحدد وآخر لديه موارد محدودة ونكتشف بعد ذلك أنها لم تزد عن ثلث ما كانت عليه الموارد الأمريكية، ويبدو بشكل ما عدم وجود تكافؤ فى القوى لكن السلاح والقدرة النووية والردع المتبادل، والترسانة النووية الموجودة عند كل طرف كانت تغطى على كثير من الحقائق وخلقت نوعا فى تصورى من المساواة المؤقتة التى لا يحسب عليها لمدة طويلة.

لكن فكرة الحرب النووية مستبعدة بالكامل والموازين هنا لا بد من مراعتها لأنها سوف تحدث آثارها على وجه التحديد، وفى ذلك الوقت أنا اتصور أن جمال عبدالناصر كان منهمكا للغاية ويتعلم من جديد. وكان يمتلك خاصية السمع كثيرا ويكتب مذكرات لما يسمعه، ولم أرى فى حياتى فى التاريخ الكم الذى كان يكتبه وهى أوراق لا حدود لها، والدهشة هنا أين الوقت الذى كان يكتب فيه كل هذا؟!.

وكان لدى عبدالناصر استعداد كبير أن يسمع لأى أحد له فائدة، وعندى قائمة باسماء الذين حضرت مناقشاتهم.

حد السيف

وفى هذا الوقت بدا أن هناك مناقشات واسعة وتبلور خط الذى أسميه حد السيف وهذا الخط مقتضاه أن جمال عبدالناصر يدرك أنه فى هذا الصراع القادم سينتهى بشكل أو بآخر، والصراع الدولى القادم سينتهى بشكل أو بآخر، والاتحاد السوفيتى تغير أمور عدة فيه، وأن هناك حربا باردة وهذه الحرب سوف تنتهى وهذه الحرب ستنتهى بفوز أمريكى لكن طبقا لما سمعناه من جنرال ديبو أن أمريكا ستخرج متعبة جدا من هذه الحرب.

لكن فى واقع الأمور قواعد المواجهة بدأت تتغير وحدث فيها تبدل لصالح الأمريكان مع نوبات يقظة واضحة من جانب السوفيت، ويصل الاستفزاز إلى مداه ويعلو صوت العسكريين ويعلو الصوت فى حماية الرغبة السوفيتية وكان السؤال هو كيف يمكن الاستفادة من هذا الوضع المتقلب المتغلب وكيف نجعل هذه المعركة تحدث فى هذه التوقيتات وباختصار تحددت الاستراتيجية فى ذلك الوقت، أولا أن المقاومة المصرية هى الأساس، والشىء الثانى هو ضرورة بناء جبهة شرقية لكى لا يكون الصراع مصرى إسرائيلى ولكن عربى إسرائيلى وفلسطين هى محوره حتى فى الحرب المصرية، أما الشىء الثالث والأهم هو كيف يمكن رفع درجة الصراع ولو همسة ولو بأى قدر من المستوى الوطنى إلى المستوى الإقليمى والدولى، وكيف نجعل الاتحاد السوفيتى فى بعض لحظات يشرع أنه يقاتل فى وطنه ويقاتل من أجله هو أيضا يمسه وهو أيضا قضية أمنه، وبدت وجود سياسة حد السيف، وقلتها لجمال عبدالناصر هذه السياسة بتصورات هذه المرونة بتصورات هذا التنبه بتصورات التى تقتضى الاتصال بالأمريكان لا يمكن استبعادهم وبتصورات أوروبية، ولكن نعتمد فى الدرجة الأولى على الاتحاد السوفيتى كسند سياسى وكمورد سلاح هذه، وكان رأى جمال عبد الناصر أن الأمر يقتضى صبر وأننا بعد المعارك وإعادة التنظير وما جرى نحن فى حاجة إلى فتح أبواب الاتحاد السوفيتى بسرعة وأى هرولة للاتحاد السوفيتى قد تظهر أمامهم فى هذه الظروف المعقدة بأننا ذاهبين إليهم لاجئين وهذا أسوأ وضع يمكن أن توضع فيه أمة أو شعب خصوصا فى مرحلة معقدة جدا.

والقضية كانت كيف نفتح الباب، خصوصا أن الاتحاد السوفيتى مأخوذ بشكل ما جرى وأن الزعماء بعضهم ذهبوا فى إجازة والقيادة الثلاثية وكوستيجن الذى كان موجودا فى موسكو، وبرجيت كان موجودا على البحر الأسود وكان من الواضح أن الأزمة سارت بأسرع مما كان متوقع، فهم صدموا ونحن أيضا صدمنا وأعدنا ترتيب أوضاعنا بضرورات الأشياء لأن تعيين قيادة جديدة كان لا يحتاج لمناقشة، وتعيين مجلس أركان حرب جديد أمر لا يحتاج مناقشة ونحن كنا نتكلم من الناحية السياسية.

الضغط على السوفيت

أمامى الآن بعض الوثائق الخاصة بهذه المرحلة فهنا رسالة تبين حالة الاتحاد السوفيتى من السفير المصرى مراد غالب فى موسكو يقول إن السوفيت يشعرون بحرج شديد جدا لأن هناك تصريحات فى الصحف فى القاهرة وغير القاهرة تحاول الصاق تهم بهم والتلميح باشتراكهم فى مؤامرة ضد العالم العربى مع الأمريكان، الأمر الثانى لاتزال المعركة دائرة ضد الاستعمار الغربى وعلى رأسه الولايات المتحدة.

الكلام كان فى القاهرة أن الروس خذلونا وليسوا كفيلين بينا ولكن طبائع الأشياء كانت تحتم الاعتماد عليهم لدرجة معينة وحقائق الأشياء كانت تبين أن الآخرين أخذتهم الأزمة لكنهم يرون لوما شديدا لهم فى القاهرة وغير القاهرة لأن العواصم العربية كانت مستفزة.

ومن الطبيعى أن يكون مراد غالب فى موسكو قلقا والغريبة أنه جاء له رد أنه إذا ذهبنا للاتحاد السوفيتى إذن موقفنا سيأخذ مسار آخر لأنه لا مجال لا أحد فى العالم الدولى أن يقنع الآخرين بمساعدات بدعوى العطف والعاطفة فى اللغة الدولية ليس لها وجود والموجود فقط فى الحقائق الدولية وهذا ما يعتمد فى هذه اللحظة ونحن مكسوفين دوليا لأبعد مدى بعد المعركة وبعد الصدمة بصرف النظر عن كل ما حدث لكن المجتمع الدولى، وبالتالى نحن نحتاج للاتحاد السوفيتى ولكن بشكل معين ونحتاجه بطريقة وبأسلوب مختلف.

وينتهز الرئيس جمال عبدالناصر حاجة الرئيس العراقى عبدالرحمن عارف للاتحاد السوفيتى لأنه يريد أن يأخذ سلاحا أكثر من ما نأخذه وأعطوه أسلحة دفاعية، وأن الأمريكان كانوا سيعطونه أسلحة أكثر.

لكن الرئيس جمال عبدالناصر قد أرسل رسالة يقول فيها عندى رأى وهو سفركم إلى موسكو وإبلاغهم أن الموقف السوفيتى المتردى سيضر بنا ولا بد من مساعدتنا لاستئناف الحرب وما رأيك. وهنا عرض جمال عبدالناصر بعد أن قررنا وقف ما هو موجود فى القاهرة وغير القاهرة، وأنه لا بد من أن نتبع سياسة ضبط النفس ونترك عبدالرحمن عارف للذهاب للاتحاد السوفيتى، وهناك قصد من ذلك أن هناك دولتين ليس لديهم ضغط أرض محتلة وكلا الدولتين دولة بترولية غنية وكلتا الدولتين موجودة فى موقع حاكم، فالعراق موجودة على رأس الخليج والجزائر موجودة وسط البحر الأبيض، وفى امتداد المغرب العربى، فيذهب عبدالرحمن عارف ويذهب بومدين ويذهبوا وقد أشرت لمحضر المقابلات هناك فى موسكو، وأظن أننى كل ما أرجع لأقرأ هذا المحضر، وتكرم وأرسله لى الرئيس بومدين لأنه كان يعرف أننى مهتم، وأرى فى هذا المحضر أشياء لم أكن أستطيع أن أقولها فى ذلك الوقت، والمشهد المشهور أن الرئيس عبدالرحمن عارف بطبيعته رجل خجول وهادئ ولا يتحدث كثيرا، لكن بومدين قائد التحرير الجزائرى وهو أزهرى تعلم فى الأزهر وثورى عاش الثورة فى الداخل.

وكان بومدين يستطيع أن يقول كلاما لا أحد يستطيع قوله فهو الذى دفع ثمن الأسلحة مقدما بشيك بمائة مليون إسترلينى وطالب وقتها بالسلاح، لكن كوستيجن رفض هذا العرض وقال إن الاتحاد السوفيتى ليس تاجرا للسلاح، ونجد كوستيجن يقول له إنهم أعطوهم أفضل الأسلحة وأنهم سلموها لإسرائيل، وأنهم حصلوا على الطائرات والدبابات وأن الأسلحة التى يقولون عنها غير كافية وليست كفء، يحارب بها الفيتناميون، ولم يكن يعرف أحد وقتها الرد على بومدين فقال له أننا رجال لا نعرف إلا قيادة الإبل فإذا أردتم أن تحاربوا معنا فلا أمانع وأرسلوا لنا خبراء وقوات دفاع جوى. ولم يكن حديث بومدين بحدة لكن هناك من أبلغ الاتحاد السوفيتى، أن هناك حالة استياء عربى من ترددهم إلى آخره.

لكن كلام بومدين له أصداء نسمعها ونضعها فى سياقها وتبدو أمامنا أنها متسقة مع صورة عامة معينة، وأجد فجأة دون مقدمات والطرف المصرى صامت لا يتحدث، تاركا حملات على الاتحاد السوفيتى، ويعيد تقدير موقفه ويحاول فهمه ويترك زعماء آخرين عرب يتحدثون بقوة فى هذه الظروف لكن أجد فجأة رسالة قادمة والقادة العرب فى موسكو من مرشن زاخروفل للفريق فوزى يوم 13 تقول إنهم سيحضرون بعد غد ويطالبون ببدء المحادثات على الفور، وينقل الفريق فوزى ما قيل له لجمال عبد الناصر ولم تكن هناك مقدمات وأرسلت هذه الرسالة من الملحق العسكرى فى موسكو ووزارة الدفاع أبلغه وزير الدفاع أن هناك وفدا عسكريا برئاسة مارشال زاخراوف فى طريقه إلى مصر، وأنه يريد محادثات على أعلى مستوى فأبلغ الفريق فوزى وأن هذا كله كان خارجا عن القنوات الدبلوماسية، وقال جمال عبدالناصر للفريق فوزى أنا لا أتقدم بطلبات ونحن أناس محتاجين ولنا كرامة، وهناك وفد عربى موجود وهناك كلام قاسى يمكن أن ينقل لهم هناك، وانا أتذكر الفريق فوزى وهو خارج قال له عبدالناصر أنه يعرف يحتد والكلية الحربية والضبط والربط، وأن هذه المرة أريدك ألا تتحدث وتنتظر حتى تسمع منهم.

أمامى المحضر الذى كتبه الوفد السوفيتى والقادم كان على أعلى مستوى ونحن نريد أن نكون عسكريين دون أن ننسى أن هؤلاء العسكريين أنهم فى أدوار مدنية مؤثرة حتى هذه اللحظة، ويعرفون أن هناك تشققات ويشعرون أن وراء الصورة السوفيتية تشققات، ويبقى فى هذه اللحظة دولة كبرى تتكلم، ويبقى أن أمامى فى هذه اللحظة دولة عظمى تتكلم ولديها ما يسند أقوالها وأن ترفع صوتها، وعلى أى حال لم يكن لدينا خيار فى ذلك الوقت.

وإذا نظرنا للوفد السوفيتى، أعلى وفد سوفيتى يمكن أن يتصوره أحد، أولها مارشال زخاروف رئيس أركان حرب الجيش السوفيتى، والمارشال لتشكوف خبير تنظيم عسكرى، الجنرال شجالوف، والجرنال تشتكسف، وهم حوالى 12 جنرالا من أفضل القيادات العسكرية بالاتحاد السوفيتى، بالنسبة للوفد المصرى كان بعد الفريق فوزى الفريق مدكور أبو العز وكان قائد طيران وأعتقد أنه كان له دور مهم جدا، ولم يستطيع أن يكمل دوره لأسباب متعلقه به وبتصوراته، وكان من أهمهم أيضا اللواء محمد على فهمى، وأعتقد أنه من أهم شخصيات حرب اكتوبر فيما بعد.

وبالنسبة لهذه التعليمات وكيف نفذها محمد فوزى وأعتقد أنه حتى لما أقرا حتى هذه اللحظة أعتقد أنه زودها حبتين، ويقول المحضر انه «بدأ بترحيب الفريق محمد فوزى لمرشال زخاروف ومجموعته، ثم استفسر سيادته عن الغرض من حضورهم وعن برنامج الزيارة المقترح»، أنا أريد أن يأتوا وأريد أن أتحدث معهم لكن الفريق فوزى كان يسأل لماذا أتيتم تحديدا.

وتتلخص إجابة مارشال زاخاروف فى الآتى الغرض من الزيارة هو المعاونة فى رفع كفاءة قوات المسلحة وتلبية مطالبها فى أقرب وقت ممكن، وحتى هذه اللحظة عبدالرحمن عارف تحدث عن طلباته وبومدين تحدث أيضا ولم نكن قد تقدمنا سريعا وهم يأتون الآن للسؤال عن طلباتنا، ولتحقيق هذا الغرض وضمان وصول هذه الطلبات فى أقرب وقت إلى آخره واقترح أن يرى الميدان والمساعدين ونقاط الضعف وبدأ فوزى أن يقول لهم أنهم مسئولون عما جرى، وواجبه أن يشرح للقائد العام تطورات الموقف لغرض وضع زاخروف فى الصورة وإبراز نقاط أساسية وإبراز معلومات مع سوريا والحشود معلومات على الجانب السورى إلى آخره، وقال مارشال زاخروف أن تصوراتهم فى الأولويات كما رأوها من بعيد وشعروا أن ضرب الطيران كان كبيرا، وشعروا بضرورة دعم القوات المسلحة والدفاع المدنى ثم تحدث عن فيتنام وما حدث فيها والطائرات.

واتفقوا فى النهاية على أن يقدم الاتحاد السوفيتى ما نريده من أسلحة.



|حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة
 الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة |مع هيكل | تجربة حياة |الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة|تجربة حياة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل| مع هيكل 










حصريا و نقلا من جريدة الشروق

النصوص الكاملة لجميع لحلقات البرنامج التليفزيوني الأشهر عربياً

(تجربة حياة) والذي تبثه قناة الجزيرة

ويقدمه الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته.


[IMG]http://alghaslan.net/wp-*******/uploads/d987d98ad983d984.jpg[/IMG]


الجزء السادس

أريد لهذه الحلقة أن تكون دراسة أكثر من رواية لمعرفة كيفية ممارسة العمل السياسى عن طريق الدبلوماسية متعددة الاتجاهات والقنوات والوسائل، لكى يتحقق هدف متفق عليه ومطلوب لصالح بلد يمر بمرحلة شديدة الخطورة والتى أسماها جمال عبدالناصر سياسة حد السيف التى تمسك بها بعد صدمة يونيو.

وكان للجيش الدبلوماسى فى هذا العمل 3 مسالك نحن لن ننساها وفى الزمن القديم كان هناك مسلك واحد وهو أن السياسة تمارس بواسطة وزراء كبار، مثل ريشوليو فى فرنسا وهيتيرتيخ فى النمسا والعمل كله مركز فى شخص الوزير المسئول وهو يدير كل شىء وكل نواحى العمل.

بعد الثورة الأمريكية ودخول عنصر آخر شعبى وفاعل فى العمل السياسى تحولت وبدا لنا فى العمل السياسى تقريبا 3 أنواع واضحة، أولها الدبلوماسية المباشرة التى تقوم بها وزارة الخارجية، النوع الثانى هو الجانبى الذى يمكن أن يجرى بواسطة اتصالات شخصية أو مفهومة ومعروفة أو طرق جانبية تقوم بالالتفاف لحل مشكلات قبل أن تستطيع الدبلوماسية المباشرة أن تواجهها.

النوع الثالث الدبلوماسية العامة وهى الدبلوماسية الموجهة للشعوب وكسب الرأى العام، فهناك 3 درجات للدبلوماسية وأنا أعتقد أنه فى فترة الأزمة، أدرنا مرحلة صعبة جدا بهذه الوسائل الثلاث لأنه فى أعقاب الصدمة علاقتنا مع الاتحاد السوفيتى وفتح الأبواب معه كان مرغوبا فيه من الجانبين.

كانت لدينا مصلحة فى تأييد الاتحاد السوفيتى والأخير كانت له مصلحة فى الوصول للعالم العربى، وهو مورد السلاح الوحيد لنا وقد ذكرت فى الحديث السابق كيف بدأ الاتحاد السوفيتى فى إجراء اتصالات وإرسال وفد عسكرى سوفيتى وجاء لنا رئيس الاتحاد السوفيتى، وشرحت كيف انفتح لنا الباب من موسكو بعد فترة من سوء الفهم وسوء التقدير وسوء الظن التى أعقبت حرب 67.

لكن الذى كان أهم من فتح الأبواب مع الاتحاد السوفيتى هو بناء جسور مع العالم الآخر ومع العالم الأوروبى أولا ومع أمريكا ثانيا، وعلى الرغم من أهمية أمريكا إلا أن أوروبا كانت الأقرب وكانت مطلوبة لعدة أسباب من أجل تحقيق أو ضمان نجاح سياسة حد السيف، وقيل على علاقتنا فى ذلك الوقت مع الاتحاد السوفيتى أننا بشكل أو بآخر نفقد بريق جزء من قضايا وأننا ظهرنا كما لو أننا فى إطار أو غطاء أو تبعية الاتحاد السوفيتى وأن هذا كله لا يمكن قبوله.

وبالتالى فى ذلك الوقت كان مطلوبا أن نقيم علاقات مع أوروبا وبأسرع ما يمكن، وأتذكر قول جمال عبدالناصر فى ذلك الوقت لو لم تكن لنا علاقات حقيقية مع أوروبا لا بد من أن نحاول التصور أنها موجودة والتصرف على أنها موجودة ثم العمل على إيجادها، وكان هذا دائما فى ذهن فرنسا وكانت الأقرب للانفتاح معنا لعدة أسباب، الشىء الأول أنه أننا كنا سبب المشكلة بين الجزائر وفرنسا، والشىء الثانى هو أن جنرال دى غول أتى وهو لديه عقدة تاريخية تقريبا من إنجلترا وأمريكا، وكان يأمل أن تلعب فرنسا دورا مؤثرا.

جسور مع أوروبا 
حاول ديغول صناعة هذا الدور المؤثر فى أول ما بدأت أزمة إغلاق خليج العقبة والتى كانت تهدد بانفجار عالمى كبير دعا شارل ديغول لمؤتمر رباعى، وكان فى ذهنه باستمرار أن فرنسا متساوية مع إنجلترا وأمريكا والاتحاد السوفيتى، وفكرة القمم الرباعية قمة العالم فى ذلك الوقت كما كان يسميها تشرشل هم الأربعة دول فى مجلس الأمن والصين وقتها العضو الخامس الذى أصر على وجوده الأمريكان.

ولم يكن معترفا بالصين فى العالم كله لكننا كنا معترفين بها وبعد دعوة ديغول لعقد القمة الرباعية، وبالطبع كان هناك رفض لوجود فرنسا فى ذلك الوقت، ولا أن يقوم ديجول بفعل أى شىء وبدا أن هناك معارضة أمريكية لاقتراح ديغول وكل الناس عارضوه وحتى نحن، فالأمريكان عارضوه لأسباب خاصة بهم، والإسرائيليون عارضوه مصممين على تحقيق نصر كاسح على مصر.

أما نحن فكنا غير راغبين فى الذهاب فى إطار قمة رباعية قد تفرض علينا ما لا نريده، وقد تتخذ قرارات من الصعب جدا تحديها، ونحن هنا أمام فعل مباشر وقوى مؤثرة فى العالم ولسنا أمام قرار من الأمم المتحدة أو قرار من مجلس الأمن، وهنا إذا اجتمع رؤساء مع 4 دول فى العالم وأصدرت توصيات وقرارات بشأن حل القضية وفى هذه الظروف الغير مواتية، قد نجد قرارهم فرضا علينا وأكثر مما نستطيع قبوله.

وعندما وجد ديغول أن اقتراحه باء بالفشل وأنه وجد مشكلة الشرق الأوسط لإثبات تأثير فرنسا، وهنا أظن أنه بدأت الاتصالات غير الرسمية فى بداية العام، ونحن فى هذه المرحلة الصعبة والصدمة التى تعرضنا لها أن يخرج للعالم ويتحدث بلهجة قوة وأن أى قوى خارجية لا بد أن يعبر عنها قوى داخلية، ولا أحد يستطيع التحدث فى العالم الخارجى بصوت أعلى من موازين القوى التى يعيش تحت ظلها.

أول أفكار بدأت تأتى لنا عن فرنسا وهى موجودة فى وثائق وهى واضحة أمامى وأريد أن أجعلها دراسة أكثر منها رواية.

جاء ذلك فى أول اتصال مع فرنسا أجراه الاتحاد السوفيتى وتصادف إن رئيس الوزراء توسيجين قد عاد من أمريكا بعد مقابلته للرئيس الأمريكى جونسن وقبل رجوعه بلده قابل الجنرال ديغول فى باريس وكان الأخير له رأى مشهور فى ذلك الوقت، فى مؤتمر القمة العربية على مستوى العالم والعالم كله وقد سقط اقتراح ديغول ولم ينفذ، وزار سفير الاتحاد السوفيتى فى اليوم الثانى من المقابلة طلب منه أن يبلغ السفير المصرى عبدالمنعم النجار فى باريس ويطلعه على فحوى ما جرى مع ديغول رئيس الجمهورية الفرنسية مع رئيس الوزراء السوفيتى، وقال للنجار أنه لمس بعض المناقشات التى دارت أمس وأن الجنرال ديغول مازال مترددا فى تحديد موقف فرنسا على الرغم من أنه يسلم بأن اسرائيل قد بدأت بالعدوان وأنه يجب أن تجلو عن الأراضى التى تحتلها.

ولم يكن الجنرال ديغول من تقدم فقط باقتراح القمة الرباعية لكن زاد على ذلك أنه قال فى تصريح رسمى أن فرنسا ستحدد موقفها من هذه الأزمة على أساس الطرف الذى بدأ باطلاق النار أولا، وأن فرنسا ستقف ضد من أطلق الرصاصة الأولى. أما موقف السوفييت فكان الإصرار على ضرورة سحب العدوان وسحب القوات الاسرائيلية من كل الأراضى المحتلة وأنها البداية الأساسية لحل القضية وعدم توضيح موقف فرنسا، ذلك يعتبر انضماما للقوة الأمريكية ونفى ديغول هذا الموقف بشدة ولكنهم شعروا أنه بدأ يتخذ موقفا أوضح، ويشعرون أن فرنسا وقعت تحت التأثير الأمريكى فى الداخل والخارج وأنه يجب مواجهته بضغط متزايد من الاتحاد السوفيتى.

وعندما حضر الاتحاد السوفيتى كان يقدمه نفسه وسيلة للاتصال وحيدة وواحدة، وكانوا يشرحوا لنا كيف كانوا يتصرفون مع المواقف الفرنسية وكيفية الضغط.

وقد طلبنا بعد يومين أن تتصل الجزائر بديغول وذهب وقتها رئيس الجزائر الحالى عبدالعزيز بوتفليقة وكان رئيس خارجية مع بومدين وعبدالرحمن عارف، ولم يكن يتحدث ديغول نقلا عن توسيجين أنهم يزيدون فى دورهم، ويقدم تقرير بطريقة أوضح وقال إن بوتفليقة قابل ديغول أمس وسأله عن أسباب عدم وضوح موقف فرنسا ضد العدوان الاسرائيلى، فأجابه أنه ينتظر إيضاح الموقف السوفيتى، وأن السوفييت كانوا عائدين من امريكا، وأن الرئيس الأمريكى مصمم ويتخذ موقف معين وأن السوفييت يحاولوا زحزحته عن هذا الموقف لكن لا يبدو أن هناك نتائج واضحة يمكن الاعتماد عليها لاتخاذ مواقف حقيقية.

ونقل بوتفليقه عن ديغول اعتباره لمشكلة الشرق الأوسط أنها صدى لحرب فيتنام وأن أمريكا مع العدوان الاسرائيلى ويرى أن ايجاد الطرق لوقف السيطرة الأمريكية التى زادت بشكل مطلق، وأنه استفسر عن موقف الجزائر فأكد بوتفليقه له تسلميها واستمرارها حتى النهاية، وسأله عن الرئيس عبدالناصر فقال له أنه لم يره أكثر هدوء وصلابة عنه الآن وحثه ديغول على الحرص على التضامن بين الجزائر ومصر وأبلغه تصميمه على انسحاب اسرائيل وعدم السماح لها بتحقيق أى مكاسب.

أما عن كلام توسيجين والذى نقله لنا سفير الاتحاد السوفيتى كان يحمل نبرة وكلام بوتفليقه نبرة أخرى، وحدث بعد ذلك أن جاء وفد برلمانى من الجمعية الفرنسية يريد زيارة القاهرة، وكان مقدما لطلب زيارة القاهرة من قبل الأزمة، وبعد الأزمة وافقنا على حضورهم، وجاء الوفد الفرنسى ليدرس كيف جرت هذه الأزمة وكيف أديرت هذه الأزمة فى ظرف بالغ الصعوبة وكيف تحرك فيها أناس كثيرين جدا لأنه بالفعل وضعت دراسة فى الدبلوماسية، الرسمية، والطرق الجانبية ودبلوماسية عامة.

وعندما أتى الوفد البرلمانى فى ذلك الوقت كان عبدالناصر غير مستعد لمقابلة أى وفود خارجية وهذا طبيعى، وقابله نائب رئيس الجمهورية السيد زكريا محيى الدين، وعندما جلس مع الوفد أبلغه رئيس الوفد جاكسون صراحة أنهم تلقوا من الجنرال ديغول توجيهات مباشرة وبدأوا فى الحديث مع زكريا محيى الدين وكان موجودا وقتها السفير جمال منصور وكان رئيس إدارة غرب أوروبا فى وزارة الخارجية وسجل محضرا بما جرى وقال فيه إنهم يريدون حل المسائل بطريقة سلمية وعاتب رئيس الوفد الفرنساوى زكريا محيى الدين ويقول له أنه يجب أن تكون هناك حرب عصابات وإلى آخر مدى الحرب شعبية إلى آخر مدى ممكن، فكان رد زكريا أننا لن نكون فى حرب شعبية ويقول إن الرئيس لا بد أن يدرس الموقف دراسة جيدة وتوصل لهذه النتائج. ولم يحضر الرئيس المقابلة فى ذلك الوقت. ولكن فى ذلك الوقت كانت هناك شخصية مغربية لن أقول اسمها فى الوقت الحالى كانت على اتصال بالمكتب العسكرى للجنرال ديغول وبشكل ما كان يرغب الجنرال ديغول أن يسمع أشياء عن مصر دون مصادر رسمية، ولديه أشياء يريد السؤال عنها.

مقابلة مع شارل ديغول 
وبالفعل بدأنا العمل فى هذا الموضوع وكنت متحمسا له وكان الرئيس يريد القيام بما هو ممكن وقال له إنه لن يتحدث معه فى شىء محدد لكن يريد أن يسأل عن أشياء يريد فهمها أكثر، وفى ذلك الوقت أيضا كانت هناك محاولة لتوفير وقت لمحمد رياض وزير الخارجية ومر على باريس وهو فى طريقه للجمعية العامة للأمم المتحدة، وعندما علمت سألت الرئيس عبدالناصر هل هناك داع فى ذهابى؟ وكان رأيه أننا قد نتكامل ولا نتقاطع وأنه كل واحد يعرف ماذا يقول فليس هناك تقاطع.

قبل 5 أيام من زيارة محمود رياض ولما ذهبت لمقابلة جنرال ديغول وجدته مع أحد أفراد الحاشية العسكرية ودخلت من الباب الجانبى المواجه لقصر كاريملين فى شارع كاريملين ووجدته أمامى وقد وضعنى فى موقف محرج للغاية لأنه أول ما دخلت، وكنت قلقا قال لى ماذا تريد أن تقول، وكنت أتوقع أن تبدأ المقابلة بالتحية وبعض المجاملات فى أول الأمر وبعد ذلك ندخل الموضوع طبقا لما يراه هو. وقد ارتبكت لبضعت ثوان وبعد ذلك كتبت، وكان المهم أن أضع محمود رياض وكان سيقابله بعدى بخمسة أيام أن أضعه فى صورة ما جرى.

وبعد أن سألنى جنرال ديغول ما أريد قوله ترددت وحاولت التغلب على هذا التردد وقلت له إن ملايين من المعجبين فى العالم يتابعون حركة فرنسا الحرة، وقلت له أنك لا تعرفنى لكننى أعرفك وقابلتك قبل ذلك وجها لوجه كان وقتها مؤتمرا صحفيا فى القاهرة وكنت وقتها مساعد محرر فى الايجبيشين جازيت ولم يكن وقتها رئيسا فى عام 1945، وعندما أبدى اهتماما وقال أنه قضى ايام سعيدة فى القاهرة، وأن الإنجليز وقتها كانوا مسيطرين علينا وأنهم أتعبوه وأتعبونا أيضا.
ثم بدا الجنرال ديغول فى الإقلال من الإطار الرسمى وسألنى عن طبيعة الأزمة، فحاولت أن أشرح له أزمة خليج العقبة فقال لى كل هذا الكلام أعرفه، وأنه يفهم الوطنية وأنه يعرف معنى الوطنية وأن فرنسا مرت بصعوبات وأنها تحترم فكرة الوطنية وأنه لن يجادل فى الانسحاب وقت أن جاء الموعد وأنه قاد الانسحاب بما فيها الجزائر وأعلنت الجزائر استقلالها، ثم سألنى عن الحلول فقلت له أننى غير مخول للحديث عن الحلول وأننى أتصور أنه فى ظل الاحتلال لا يمكن أن يكون أى معنى لأى كلام عن مفاوضات أو أى كلام عن حلول سلمية.

ثم سألنى عن المستقبل فقلت له فى لحظة من اللحظات شىء أظنه قد أعجبه عندما قلت له أننى رأيت بعض من جواباته لجمال عبدالناصر وكلها مطبوع عليها جنرال ديغول وليس الرئيس ديغول ولا ختم الرئاسة، فكان رده أن العسكرية كانت اختياره وأن السياسة فرضت عليها الظروف وشعرت وقتها بقيمة هذا الرجل التاريخى لا يخطىء فى فهم ما يتحدث عنه، وقال أنه رأى عبدالحكيم عامر منذ سنة ونصف سنتين وأنه كان مارشال وأن سنه أصغر من أن يكون مارشال.

وسأل عنه فقلت له أنه موجود فى القاهرة ومصاب بصدمة بعد ما حدث، وأبدى استغرابه من حالة الصدمة والانهيار حتى على مستوى الشعب، وأننا كان لدينا فترة حماس فى أول الأمر ثم أصبحنا متشائمين، ثم قال لى انظرو للخريطة واعرفوا موقعكم وحجمكم وحجم إسرائيل، وأضاف أننا أقوياء بالموقع والحجم وأقوياء بالموارد التى لدينا وأننا ليس لدينا مبررا أن نصبح قلقين من ما يجرى.

وعن زيارة محمود رياض والتى كانت بعد أيام قال لى إنه يتمنى لو يأتى رياض باقتراحات محددة وطلب منى أن أبلغ جمال عبدالناصر أنه يتفهم مشاعرنا وأنه عاش هذه التجربة ذات مرة.

وبعد هذه المقابلة بخمس أيام بالضبط قابل محمود رياض جنرال ديغول وقبلها كنت قد قابلته وأعطيته فكرة عن كل ما جرى وعلى أساس الملاحظات التى كتبتها عن المقابلة وبالتالى ذهب محمود رياض وهو لديه فكرة عن ما قاله الروس وما قاله بوتفليقة. ثم أرسل برقية لجمال عبدالناصر يخطره أنه قابل الجنرال ديغول صباح اليوم وكانت المقابلة ساعة وكانت ودية للغاية وصريحة بل وعاطفية عندما تحدث عن السيد الرئيس وطلب إبلاغه تحياته وأشار إلى المصاعب الكثيرة التى تصادفها وطالب أن يصمد الرئيس أمام المحن التى تواجهه وأكد أن مصر فى النهاية ستكون لنا.

وكان ديغول قد تحدث معى عن موازين القوى فى التاريخ، لكن مع محمود رياض كان أكثر وكان رأيه أن روسيا لن تستطيع أن تعمل شيئا فى ذلك الوقت وأن كل ما يشغل امريكا هى فتنام وأنها سعيدة بما حققته اسرائيل. وعن انجلترا قال ديغول إن إنجلترا لا قيمة لها وعلى العرب أن يعتمدوا على أنفسهم وهنا كانت كل أنواع الدبلوماسية تتحرك. وبعد أيام صدرت قرارات تأكيد حظر تصدير أسلحة لإسرائيل وأن هذا وقتها كان مهما للغاية وأنه هنا كانت هناك أعمال دبلوماسية تكاملت فيه كل عناصر الانتصارات من أول الرسميين ثم الجانبى ثم العام.

وأن الدبلوماسية العامة ظهرت أكثر فى علاقتنا مع إنجلترا، وأريد الاشارة أن الطرق الجانبية تصنع أزمات فى أوقات، وأن الولايات المتحدة توسعت لمساحة الضعف بالضبط عندما تمكن الرئيس الأمريكى جفرسون من شراء كل الولايات الفرنسية فى الجنوب وكل حوض المسيسبى وعلى امتداد كالفورنيا، وأنه قام على هذه العملية صديق لجفرسون وكان يعلم أنهم يريدون أموالا فأرسل وقتها وزير خارجيته مونرو ولكى يعرف مدى استعداد فرنسا فى بيع ممتلكاتها أو مستعمراتها الجنوبية فى أمريكا الشمالية وكانت عندها جنوب أمريكا كله، فأبعد جفرسون وزير خارجيته لأنه لفت الأنظار وأرسله صديقه ديبون الفرنسى وكان مهاجرا من فرنسا لأمريكا، وتم عقد الصفقة وضاعفت الولايات المتحدة مساحتها بعمل دبلوماسى جانبى.

شيك بقيمة جاسوس وبالانتقال بالعلاقات من فرنسا لإنجلترا كان مطلوبا بناء جسر معها بعد أن عملناه مع فرنسا ولكن هناك جسر كان لا بد من بنائه وفى ذلك الوقت علاقتنا مع إنجلترا كانت مقطوعة، وكان قطع علاقات اضطراريا بسبب قناة السويس، وأنا أتذكر فى ذلك الوقت أنه لعبنا أدوارا كبيرة أنا وغيرى من 57 إلى 60 لما التقى جمال عبدالناصر بالأمم المتحدة، وأجد فى الوثائق الموجودة أشياء غريبة جدا بالنسبة لقطع العلاقات وأشياء غريبة فى الممارسة الدبلوماسية.

وأجد أن الفرنسيين كانوا متفقين فى إقامة العلاقات معنا وأننا راغبون وهم راغبون، وهم لديهم شروط وطلبات فنحن نريد قنصليات فى بعض الأماكن التى بها سيطرة بريطانية مثل الكويت ونيجيريا فى قبرص وتنزانيا ونريد فتح العديد من القنصليات فى الكثير من البلاد وهم يريدون فتح قنصلية فى دمشق، وهم فى ذلك الوقت أرسلوا لنا قائما بالأعمال مهما جدا وهو سير كولن كول وهو سفير جاء قائما بالأعمال وقابلنى وقابل محمود رياض وقابل الكثير غيرى، وكان هناك كلام كثير دائر بيننا من تبادل قنصليات إلى آخره كله موجود.

بالنسبة لموضوع الأسرى كان لهم جواسيس محبوسين لدينا اعتقلوا فى ظروف السويس واحد منهم يسمى سويندر كان فى وكالة الأنباء العربية وزارب وأفرج عن الأخير لأسباب صحية وظل الأول فى السجن، وعندما أرسلنا قائمة بالقنصليات المطلوبة ويرد سير كولن أن هذه الطلبات مبالغ فيها وأنه أراد أن يعرف ما الذى نستطيع تقديمه فى المقابل وأنه سيكون هناك عملا متكاملا ثم يحل موضوع القنصلية بشكل كامل وبعد ذلك هم يريدون زارب الجاسوس بشكل قاطع قبل أن يأتى لنا سفير رسمى معتمد.

وقال عبدالناصر أنه ليس لديه مانع فى الإفراج عنه ولكن نحن لا نريد أن نفرج عنه بطريقة سهلة وأننا استجبنا لشرط الافراج عن جاسوس، وكان مدة إقامة كولن جو السفير قد قاربت على الانتهاء وكنت أعرف كم هو مجروح وهذه الواقعة لم أكن أجرؤ أن أقولها لولا أحد المؤرخين الإنجليز روبرت ماكنمارا وهو أستاذ التاريخ فى جامعة أيرلندا ذكرها بالتفصيل.

لأننى تصرفت وقتها وقلت إننا وافقنا وأنا فى نفس الوقت لا أريد القول إننا تنازلنا، وطلبت من كولن جو قبل سفره أن أقابله وأننى قمت بعمل غريب وقتها وأننى كتبت شيك لـ«سير كول» وشطبت مبلغا وكتبت زارب ووضعت الشيك فى ظرف ووضعته على مكتبى، فقلت له إنه تقديرا من الرئيس جمال عبدالناصر لجهودك قررت أن أعطيك هذا الظرف، وكان مترددا فى فتح الظرف وعندما أخبرته أن به شيك اضطرب واحمر وجهه أن مندوب بريطانيا العظمى سير كولن كول يعطيه أحد شيك، وطالبته كثيرا بأن يعرف ما فى الشيك وقلت له على الأقل اعرف قيمتك عندنا كم تساوى، وعندما رآه وجده زارب قلت له أى أحد يأخذ هذا الشيك ويذهب به لسجن طرة بعد أن اتفقت مع وزير الداخلية على جمعة بإذن من الرئيس عبدالناصر، وأرسل أحدا ومعه الشيك وبعد أن أخذه قامت العلاقات وانحلت أزمة قطع العلاقات.

ذهبت فى ذلك الوقت لسفارة إنجلترا أقابل رئيس الوزراء وقابلت جورج براون وقالوا إنهم دقوا على الباب وسنفتح لهم هذا الباب، وقالوا لماذا ندق الباب لماذا لا نتركه مفتوحا لنجعل الناس تدخل منه وكنت فى ذلك اليوم أتناول العشاء فى التايمز مع تومسن هاملتون وهو رئيس تحرير صنداى تايمز، وكتبت مقالة فى الصنداى تايمز أشرت فيها لكلامى مع رئيس الوزراء روبنسن وكان عنوانها الوقت يتكلم وشرحت وجهة نظرنا فى العلاقات بصفة عامة، وقد كتبت الجريدة رسالة افتتاحية عنوانها رسالة من عبدالناصر وبعد ذلك أخطر براون رئيس الوزارء مجلس الوزراء أن هيكل كتب مقالة تعبر عن رؤيتهم للعلاقة وأنا أرى أن عودة العلاقات مع مصر تقوى وقالوا إنهم يريدون العلاقات مع مصر وأنها تهمهم.





حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة
 الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة |مع هيكل | تجربة حياة |الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة|تجربة حياة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل| مع هيكل 










حصريا و نقلا من جريدة الشروق

النصوص الكاملة لجميع لحلقات البرنامج التليفزيوني الأشهر عربياً

(تجربة حياة) والذي تبثه قناة الجزيرة

ويقدمه الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته.


[IMG]http://alghaslan.net/wp-*******/uploads/d987d98ad983d984.jpg[/IMG]


الجزء السابع



خلال الأسابيع التى تلت صدمة يونيه يعنى بقية يونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر إلى آخره فى هذه الفترة كانت المعارك فى ميادين القتال على أشدها معارك المدافع ومعارك إغلاق إيلات ومعارك فى هذه الفترة أيضا كان هناك طلب للشباب الجديد المتطوع أن يجعل عملياته أكثر جرأة ويتقدمون ويدخلون بدوريات وراء الخطوط الإسرائيلية عبر قناة السويس لكى يلتحموا مع العدو حتى يطعموا ضد الخوف وكانت هناك تعليمات أيضا أنه باستمرار يتغير شباب هذه الدوريات حتى يتاح لأكبر عدد من الشباب الوجود فى المعركة فى ملامسة أو اشتباك مع العدو لكسر حاجز الخوف ولكى يشعروا بأنفسهم بأكثر من الخطوط الدفاعية وبأكثر من انطلاقات المدافع وبأكثر من إيلات.

وفى نفس الوقت كانت هناك معركة دبلوماسية على خطوط النار فى معركة السلاح كدور لمساندة أى عمل دبلوماسى أو سياسى على مختلف القنوات وهناك قنوات كثيرة تعمل وهناك قنوات دبلوماسية مباشرة وهناك قنوات اتصالات جانبية وهناك قنوات الدبلوماسية العامة، ولكن فى هذه اللحظة كان هناك رأى أن تتحدث قناة واحدة عن مصر وليس قناتين أو ثلاثا وهذه القناة هى قناة الوفد الموجود فى نيويورك لأنه كان هناك إحساس فى ذلك الوقت بعد بناء جسور مع فرنسا ومع إنجلترا وجاء الوقت لبناء جسور مع أمريكا وكان هذا ضروريا وكان الاحساس وقتها هو أننا لا نبنى جسرا فالطريق ما هو إلا حقل ألغام مفروش على آخره بكل أنواع المتفجرات وكان المطلوب فى ذلك الوقت فتح ممر شبه آمن بنزع فتيل بعض الألغام، ولم يكن يتصور أحد فى ظل هذه الظروف فتح جسور مع أمريكا كما فعلنا مع الاتحاد السوفييتى وهو فتح أبواب وفتح جسور مع فرنسا ولذلك تقرر فى ذلك الوقت أن المسار الرسمى والوفد الرسمى عليه أن يعمل وبعد ذلك تعمل باقى القنوات، وفى ذلك الوقت كان الاتصال ضروريا لعدة أسباب لأننا كنا أمام معركة لديها مدى طويل وسوف يغطيها عمل سياسى لهذه الفترة وإذا أريد لعمل سياسى أن يكون مؤثرا أو موجودا لا بد أن تكون الولايات المتحدة طرفا فيه لعدة أسباب، أولا: لا يمكن أن يتحدث أحد عن عمل سياسى بصرف النظر عن اعتقاده عن نتائج عملية وحقيقية له أو ليست هناك إلا والولايات المتحدة موجودة فيه، وحقائق موقف دولى وحقائق لحظة تاريخية معينة لا يستطيع أحد مهما كانت عواطفه أو مشاعره أن يهرب من هذه الحقيقة، والشئ الثانى:

الموضوع كان مهما بالنسبة للاتحاد السوفييتى نفسه لأنه كان مهما ألا نكون بمفردنا مع الاتحاد السوفييتى وكان هذا من دواعى فتح جسور مع أوروبا الغربية وقلنا إنه إذا لم تكن هذه الجسور موجودة بالفعل لوجب اختراعها ووجب تنفيذها أو العمل على إنشائها، والعلاقة مع الولايات المتحدة ضرورية لطمأنة الاتحاد السوفييتى وضرورية لتشجيع أوروبا أن تقوم بدور، وضرورية من ناحية أصدقاء لنا لهم رؤى مختلفة للاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة الأمريكية ورأيهم وقد يكون له منطق يسنده، وهو أن السياسة المصرية استفزت الأمريكان ولابد أن نلطف قليلا وهؤلاء من كانوا ينادون بذلك طرف عربى مهم جدا، فى هذه المعركة وفى هذه اللحظة قناة واحدة فقط من العمل السياسى وهى القناة الدبلوماسية المصرية.

حقل الألغام 

وكان الذى يقود هذه العملية فى نيويورك فى الأمم المتحدة وفى مجلس الأمن الدكتور محمود فوزى، وتحدثت عنه كثيرا وسألجأ قليلا لهذه الفترة لبعض الوثائق، ففى هذه الفترة أول برقية جاءت من محمود فوزى هو ذهابه إلى نيويورك فى أوائل يوليو ثم أرسل برقية 16 يوليو قال فيها إنه قابل المندوب الأمريكى جولد برج وأناسا كثيرين لكن قيل له صراحة بطريقة غير مباشرة من كل الوفود العربية إن الرسالة واضحة من أرثر جولد برج وهو المندوب اليهودى فى ذلك الوقت للولايات المتحدة فى الأمم المتحدة، وهو المندوب الدائم للرئيس لندن جونسن وهو الأقرب له فى ذلك الوقت وهو الذى طلب فى هذه اللحظة وهو من أكبر أصدقاء إسرائيل.

وفى أول البرقية قال جولد برج لكل الوفود العربية لأن كل الوفود العربية أرسلت جزءا منها لنيويورك وهنا الوفد المصرى مكلف بشيئين ألا وهو حضور هذه المناقشات بالطبيعة الجارية فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن حول مشكلة الشرق الأوسط ثم هو مكلف أيضا بفتح هذا الممر وسط حقل ألغام، والوفد كان قويا فكان فيه محمود فوزى ومحمود رياض والدكتور حسن صبرى الخولى وأشرف غربال ومجموعة قوية وأحسن مجموعة كان من الممكن أن توجد فى نيويورك فى هذه اللحظة، وقال محمود فوزى فى البرقية إن كل بلد فيكم لا بد أن يعقد صلحا مع إسرائيل فى هذه اللحظة ثم تبقى فى موقعها، والولايات المتحدة لا يهمها أن تقوم أو تبقى حكومة عربية أو تسقط، فلتسقط حكومات عربية كثيرة حتى تأتى الحكومة الملائمة التى يكون فى مقدورها أن توقع صلحا مع إسرائيل. وكانت هذه فاتحة برقية محمود فوزى ولم تكن مبشرة لا بأمل ولا بخير لكنى أعتقد أن الدكتور فوزى وصف حقيقة، وانتقل مع البرقية يوم 16 يوليو من فوزى والتى قال فيها إن الأمور واضحة جدا ويجب أن تعقد الحكومة العربية صلحا نهائيا مع إسرائيل ومن لم يستطع سيقع.

وبعد ذلك نجد أن حسن صبرى الخولى لم يلحق بالوفد وكان الممثل الشخصى للرئيس وقتها فى اجتماعات القمة العربية ولأنه لما بدأت هذه القمم العربية اتفق الزعماء العرب على تسهيل الأمور وتشكيل لجنة اتصال فيها ممثلون للرؤساء تواصل متابعة تنفيذ ما توصلوا له مع الأمانة العامة للجامعة العربية بطبيعة الحال وأجد أنه فى يوم 20 أغسطس وقبلها 17 أغسطس نجد أن السفير دونالد برجس سيحضر للقاهرة للالتحاق بالسفارة الإسبانية التى هى قائمة على شئون المصالح الأمريكى فى القاهرة ولما تقطع الدول علاقتها بينها وبين بعضها عادة تختار كل دولة دولة أخرى أو سفارة دولة أخرى تمثلها فى مصالحها المعنية، والسفارة الإسبانية فى ذلك الوقت كانت الممثلة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأخطرونا أن دونالدس برجس قادم ودونالد برجس وهو سفير ملحق بالسفارة الإسابنية بالقاهرة رأى حسن الخولى قبل أن يلتحق السيد حسن خولى بالوفد وهنا قال له إنه يتأسف لحضوره فى هذه الظروف الصعبة وإنه عرفه فى ظروف سابقة، وإنه فى حيرة ولا يعرف ماذا يفعل، فقال له حسن صبرى الخولى إنه يستطيع أن يتصل باثنين ــ وكان وقتها الرجل الثانى أو الثالث فى وزارة الخارجية ــ فقال له تستطيع الاتصال بزكريا محيى الدين نائب رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت، أو هيكل، وكان رأى جمال عبدالناصر هو ألا يتصل أى أحد فى ذلك الوقت، وهناك العديد من البرقيات أمامى فيها أشياء غريبة منها أن الأمم المتحدة قررت قطع معونة عن السودان إذا لم يعلن السودان عن عودة العلاقات بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وكان السودان قد قطع علاقته بالفعل بعد أن ظهر التدخل الأمريكى فى 7 و8 و9 يونيو 67 وضمن حكومات عربية كثيرة، فبدأوا بالسودان كأنه قصد مقصود، والشىء الآخر أنه فى برقية أخرى أن دين راسك وزير الخارجية الأمريكية يسأل الدكتور محمود فوزى وأرسلها فى برقية بتاريخ 3 أكتوبر يقول فيها إنه هل مصر كلها تتحدث بصوت واحد، فرد عليه فوزى أن هناك وفدا واحدا يمثل الجمهورية العربية المتحدة وليس لأى أحد أى شىء آخر وهذا ما لدى من القاهرة.

ثم قال له راسك إنه لا يرى موقفا عربيا موحدا فيرد عليه إن قرارات الخرطوم هى التى تمثل العربى الموحد وإذا كان قد سمعتم آراء أخرى، مثل قرار واشنطن بمنع استيراد القطن من مصر ومقاطعة النسيج المصرى، وأجد مقابلة أيضا يبدو فيها اللعب بين والت روستو مستشار الأمن القومى للرئيس جونسن فى ذلك الوقت وبين السفير الإسرائيلى فى واشنطن هارمان، وقال الأول له إن الملك حسين هو الجبهة التى يمكن التركيز عليها فى هذه اللحظة، وأنه أكثر من أضير فى هذه الحرب وفقد الضفة الغربية، وفى كل اتصالاتنا به يقول إنه ذهب للخرطوم لكى يرى موقفا عربيا واحدا وقد رآه لكن هذا الموقف العربى الواحد متشدد لأنه لا قرارات ولا صلح مع إسرائيل، ولكى أكون أمينا ذهب الملك حسين ينقل فى حضور هارمن ورستو وكان يبدو أنه قلق ولم يستطع أن ينتظر الموقف وأنا فى ذلك الوقت قد عذرته لأن كان يخاف من أى تصرفات إسرائيلية فى الضفة الغربية إذا طال الاحتلال، وكان فى ذلك الوقت عصبيا لكن على أى حال الإسرائيليين تصوروا وقالوا للامريكان والأمريكان شاركوه فى هذا التصور ألا وهو جبهة الاختراق فى الشرق وهناك معركة قادمة من جبهة شرقية واحدة وغربية واحدة، فهنا الملك حسين يلمح الأمريكان والإسرائيليين وهو يعرفهم من تجارب سابقة أن جبهة الأردن قد تكون الجبهة الأولى التى قد يمكن اختراقها وبالتالى يحدث كلام من السفارة فى واشنطن أو الوفد أن الملك حسين يبدو استعداده للموافقة عقد صلح مع إسرائيل ويبدو فى أحيان أخرى عدم قدرته على الخروج عن الاجماع العربى، وأنه بالخروج يعرض العرش لأسباب داخلية لمخاطر لكن رفض صلحا أيضا مع إسرائيل يعرضه لضغوط، وموقف الملك متردد ويشعر الأمريكان، وهنا يمكن لجبهة الأردن ان يحدث لها اختراق.

القرار الأمريكي

ويطلب الملك حسين من محمود رياض ان ينقل للقاهرة أن الأمريكان يعملون على سحب القوات الإسرائيلية وبالتالى وقع الملك تحت ضغط شديد للغاية بغرض تحقيق موافقته على مشروع القرار الأمريكى، وفى برقية أخرى للدكتور فوزى يقابل راسك ويقول له إن هذا القرار لا يبدو مقبولا وأنه يحتاج لمناقشات طويلة فقال له راسك إنك رجل دبلوماسى، وإنك إذا طلبت تدخل الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل فلا بد للولايات المتحدة أن تجتهد للاشىء ونحن لا نستطيع أن نوافق على مشروع قرار لا نقدر على بذل جهدنا من أجل تنفيذه، ونحن نضغط على إسرائيل من أجل قرار واضح أمامنا.

وعندما حضر الدكتور فوزى للقاهرة تكلم مع عبدالناصر فى المشروع، وجمال عبدالناصر باحساسه رافضا هذا المشروع لكن الدكتور فوزى وأنا اعتقد ان لديه قدرا هائلا من حكمة مجرب وهو يقول له لقد حضرت يا سيادة الرئيس معظم هذه المناقشات وجزء منها اجتماع منها بالتحديد جرى فى القناطر فى استراحة القناطر، وقال له يا سيادة الرئيس نحن جميعا مسلمين ان العمل السياسى غطاء لعمل عسكرى وان فى اعتقادى وباستمرار على مدار التاريخ النصوص ليست ما يعتد به وما يعتد به هى القوة التى وراء هذه النصوص وأن أى وضع يمكن أن يملى نصا وإذا تغير هذا الوضع ونحن نرى على ذلك فتتغير النصوص وما يملى النصوص هو أمر واقع وأنا أخشى ان هذا النص هو قصارى ما نستطيع أن نصل اليه مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى، لأنه بدا هنا الخلاف بين الدبلوماسية والعسكرية فى الاتحاد السوفييتى.

وقال فوزى لعبدالناصر ان هذا القرار سيصدر بأغلبية وسوف يملى علينا وأنا اعتقد انه نحتاج لقاعدة أو صخرة نبنى عليها مواقف سياسية إذا استطعنا ثم ندرك أنه فى هذا الموضوع وهذا الوضع الذى نشأ يوم 5 يونيو لا شىء يمكن تغييره وأنا أتذكر فوزى فى ذلك الوقت يستعمل تعبيرا باللغة الإنجليزية أنه لابد أن نلغى ما قد حصل ولا بد أن نمحى ما قد حدث، ونجد ان عبدالناصر استمع لهذا الكلام، وكانت كل الأمور فى واشنطن جارية وأنا لا أريد ان استوضح أشياء كثيرة لكن تبقى أمامى مقابلة واضحة من الجانب الأمريكى وأظن أننا نعرف الحكاية. وقال راسك للملك حسين اننا فى طريقنا للاتصال بالشرق الأوسط إذا تحققت ثلاثة شروط، أولها ان يكون العرب على يقين من قوة إسرائيل عسكرية، ثانيا أن توضح الولايات المتحدة للاتحاد السوفييتى أنها لن تسمح بمزيد من التغلغل السوفييتى فى الشرق الأوسط، وألا يعطى تلغراب آمالا زائفة فى تدخل الأمم المتحدة أو غيرها لفرض تسوية على إسرائيل.

والغريب أيضا قول جولد برج للوفود العربية دون أن يخفى رأيه إنه لابد من بناء حقائق سياسية تقنع العرب أنه لا فائدة فى حلم قد يراودهم إلى ميدان القتال.

شروط متغطرسة 

وأنا هنا تحضرنى ثلاثة مشاهد لأستكمل قفزة للأمام تؤكد فيما بعد أن ما وصلنا إليه مع الولايات المتحدة كان طبيعة الأمور وكان من الصعب احتمال الوضع أو تقبله وكأنه لم تحدث معركة، فهذه الأمة حاربت وهذه الأمة قاتلت ولكن هناك تصميما أمريكيا بشكل ما، أولا فى ذلك الوقت لقاء مع الملك حسين مع راسك وكان موجودا فى الأمم المتحدة وكان قد قابله فى نفس السنة فى أكتوبر نوفمبر، وقابله فى لندن فى زيارة سرية فى عيادة الدكتور هربت وأجد أن الذى كتب إدليش لاين أحد المؤرخين العظام وهو إنجليزى إسرائيلى وهو يقوم بالتجهيز فى جامعة أكسفورد وهو يعتقد انه مؤرخ لديه حس بالعدل التاريخى، وحس بالحقيقة التاريخية، وهى رواية الملك حسين لإدليش لاين على أى حال، وقال الأخير إن الملك حسين قابل هذا وتصوره أن الملك حسين الاستعداد عربيا والكلام سلميا قد يساعد ان يكون الأردن نموذجا وأنه حدث كلام فى واشنطن حول البداية كخطوة أولى وأنا مستعد البداية كخطوة أولى إذا بدت بادرة تشجعنى على هذا، وأنا لا أقدم على وعود فقط ولم يملك راسك ما يقدمه للملك حسين وعاد الملك حسين من هذا كله خائبا وأظن أن هذا كله كان يجب أن يعلم أناس كثيرين درسا.

المشهد الثانى الذى أريد التحدث فيه هو ممر آمن مع أمريكا لكنى لا أعرف انه هناك من تقدم بمنتهى الشجاعة وعرض كل شىء على الولايات المتحدة الأمريكية وهو الرئيس الأنور السادات، وأنا هنا أكمل الخط الأمريكى لأصل به إلى منتهاه لأنه فيما يتعلق ببناء جسور أو ممرات وسط حقل ألغام أنا أعتقد أنها قضية تحتاج لإعادة نظر وإلى دراسة متأنية على الأقل لأن إعادة النظر أعتقد انها ستأتى فى تاريخ مقبل لكن تحتاج إلى بعض الروية والحذر.

هذا الكتاب كتبه السير أرستل هورل وهو أحد أهم المؤرخين العسكريين الإنجليز وكان ضيفى هنا فى القاهرة من سنة ونصف السنة، وطلب مقابلتى لأنه كان يكتب كتابا عن كسنجر سنة 1973 وهو اسم الكتاب وأحب كمؤرخ ان يكتب عن سنة واحدة وهى 73 معتبرها فى السياسة الدولية سنة هنرى كسنجر لأنه فيها تحرك فى الوفاق وتحرك أمام الصين وتحرك فى أزمة الشرق الأوسط وكان أكبر نجاح له.

لكن السير أرستل هولم تصور أنه سيركز على هذه السنة فقابل وهو يقابل كسنجر وهو يكتب كتابه فطرح له لكتابة الكتاب بعض الاسماء وكنت منهم لكى يقابلهم ومعرفة ما جرى سنة 73.

مشروع هنرى كسنجر

ارستل هولم يحكى نقلا عن كسنجر أنه كان يدخل للسادات وكان متخوفا من اللوم لأنه كان السبب فى الجسر الجوى الذى انقذ إسرائيل أو أنقذ المعبد من الانهيار كما كان يقول ديان، وكان هذا الجسر مهما للغاية ولكن هناك قضية أخرى وهى الاتصالات السرية لكن هارلم كان يتوقع أن يفاتحه فى موضوع الجسر الجوى أو قضية وقف اطلاق النار لكن لم يفاتحه السادات وقال له أنا لا أريد الدخول فى تفاصيل، وقال له السادات أنا اقترح عليك مشروعا وتسميه هنرى كسنجر ولكن اسمعنى جيدا فأنا سوف أعكس كل سلفياتى فنحن دخلنا فى مواجهة معكم أنا لا أؤمن بها ولا أعتقد فيها وأنا أرى أن الوقت قد حان لعكسها فأنا لا أريد الاتحاد السوفييتى فقد أدى غرضه ولم تكن هناك حروب، ومن الآن فصاعدا سأكون صديق الولايات المتحدة، وقد أدهش الكلام هنرى كسنجر وحكاية ان السادات قال له إنه ليس خليفة لجمال عبدالناصر وأنا خلف للفراعنة الكبار، وأنه نظر لوجهه وقال إنه يبدو كرأس اخناتون لكن هنا وسط معركة وأجواء متوترة وهناك وفد عربى قادم من جيوش وأسلحة وهناك جبهة شرقية وجيوش عربية متمركز من أول الجولان إلى العين السخنة فى مصر والسلاح الذى نملكه هو سوفييتى، وأعتقد أنها كانت أكبر طمأنينة يمكن أن نعطيها للأمريكان وهذه النقطة هى التى تهمنى فى هذه اللحظة. وأنا هنا أمام رجل تقدم بجسارة سواء اتفقت أو اختلفت معه وقال لهم فى لحظة حرجة إن كل ما مضى انتهى وأن سياستى تكون معكم، وأنه حقق حدثا مهما ألا وأنه كسر أسطورة تفوق الجيش الإسرائيلى ووافقه كسنجر فى الأيام السبع الأولى فى الحرب ويقول أنور السادات وهذا يمكننى أن أغير ما أشاء فى مصر، ودخل فى رهان أن يسلم 99% من الأوراق لأمريكا ومع هذا فذلك الرهان وصل للحد الذى رأيناه.

أما المشهد الثالث وكنت موجودا فيه وهو لقاء مع كوفد دمورفيل وهو سياسى ودبلوماسى فرنسى مهم جدا وكان صديقا للجنرال ديجول وكان سفير لفرنسا فى مصر فى الفترة من 54 إلى 56 ومشى دمورفيل قبل تأميم السويس وبعد ذلك أصبح وزيرا للخارجية، واثناء وجوده فى القاهرة رأيته كثيرا جدا وكان بيننا مناقشات طويلة وكان بيننا نوع من الود وبعض الأوقات مناقشات ساخنة بسبب الجزائر أيضا كان يطلب منا الطمأنينة أكثر لشركة قناة السويس وهو السفير الفرنسى.

لعبة الشرق الأوسط

يقول لى كوفد دمورفيل إنه يعرف مصر جيدا واننا الاثنان على المعاش نلعب الجولف، وقال لى إننا فهمنا لعبة الشرق الأوسط خطأ، وأن هناك معركة هى معركة إسرائيل وأن الغرب انجلترا وأمريكا يوافقون على دولة إسرائيل ويساندونها وهذا صحيح ولكن كان هناك مشروع آخر لدخول إسرائيل وهو خروج مصر، ولا يتحقق إلا بخروج مصر، وأن انجلترا هى التى ساعدت على دخول إسرائيل لكن أمريكا هى الدولة التى تعمل على خروج مصر، وقال لى اننى رأيت الجنرال ديجول وعرفت منه العلاقة بين السياسة والخريطة ووضعت الخريطة أمامى فقال لى إن مصالح أمريكا مصر ليست مهمة فى حد ذاتها وتذكروا أن مركز الثقل فى العالم كان فى قناة السويس، وفقدت بعد ذلك أهميتها من الناحية الأمريكية واصبحت تدور حول رأس الرجاء الصالح ولديها مراكب كبيرة تستطيع قطع المسافة والتكاليف لم تعد كبيرة.

وأن قناة السويس مهمة لأوروبا الغربية والهند والصين ولكن بالنسبة للأمريكان لم تعد مهمة وانتقل مركز الثقل إلى الخليج ثم للمحيط الهادى بين الصين وأمريكا فى وجود الاتحاد السوفييتى واليابان أيضا وكانت القوة الرابعة وهو الصراع على العالم مقبل عليها فى المرحلة القادمة، وان الخطأ أننا لم ننتبه لهذا.

وعندما قامت انجلترا بالانسحاب من قناة السويس فهمنا أن انجلترا تعيد مركزة قوتها وهذا غير صحيح، والأهم منها من الاستراتيجية وكانوا يعرفونها فى أوروبا أن قناة السويس هناك شرق وغرب القناة وفى الأخيرة لم يكن عندهم مانع أن يكون هناك دولة أفريقية أخرى مسلمة فى حدودها وأن الخطر باستمرار هو تخطى قناة السويس.

وقال لى إنه فى وقت الملك فاروق صنعت مصر صلة مع المشرق بالجامعة العربية وبعد صدمة فلسطين وقف لعدم ظهور مصر بالبريق والقوة المتوقعة، لكن الذى حدث بعد ذلك هو أن عبدالناصر أحضر المشرق العربى كله إلى القاهرة وأصبحت هناك مشكلة هذا المشرق العربى فيجب أن تخرج مصر من المشرق وهذا المشرق الذى جاء من الغرب لا بد ان يخرج من الغرب وخط قناة السويس هو الخط الفاصل.

استمعت إلى دمورفيل وكيف أنه كان هناك مشروعان وليس مشروعا واحدا ألا وهو دخول وخروج ومشروع الخروج مازال يأخذنا حتى هذه اللحظة فى الأمم المتحدة وبعد 67 قمنا بكل ما هو ممكن أن نحصل على حق ازاء إسرائيل، ثم جاء الملك حسين الذى ابدى استعداده ان يعترف وذلك قبل 67، ثم جاء الرئيس السادات وأعطى بلا حدود ولم يأخذ شيئا فى المقابل.


|حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة
 الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة |مع هيكل | تجربة حياة |الأستاذ يروي تجربة حياته |حوارات الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته كاملة|تجربة حياة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل| مع هيكل 










حصريا و نقلا من جريدة الشروق

النصوص الكاملة لجميع لحلقات البرنامج التليفزيوني الأشهر عربياً

(تجربة حياة) والذي تبثه قناة الجزيرة

ويقدمه الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تجربة حياته.


[IMG]http://alghaslan.net/wp-*******/uploads/d987d98ad983d984.jpg[/IMG]


الجزء الثامن 



فى تلك الأوقات الصعبة والخطرة من خريف 1967 وبينما تبذل كل هذه الجهود لإعادة بناء جبهة معينة وقضية معينة ومواقف وقوة معينة بمعنى أن هناك شعبا اختار أن يقف يقاتل وأمة عربية اختارت مساندة المعركة وهناك جسور يمكن بناؤها مع العالم الخارجى وطرق وممرات آمنة يمكن فتحها وسط حقول الألغام ويبدو لأى مراقب أن هناك فى الموقف حلقة ناقصة وهذه الحلقة الناقصة ببساطة هى أين شعب فلسطين؟ 

شعب فلسطين وأرضه فى هذه اللحظة هما مركز القضية رغم أن القضية أوسع بكثير لأنها قضية الأمن العربى لكن بؤرة المركز لابد أن تكون حاضرة وظاهرة ومؤثرة وفى هذا الوقت بدا تصور أن الشعب الفلسطينى وقتها كان مثقلا بهموم كثيرة، وفوجئ شعب فلسطين فى هذه اللحظة بالأزمة وبقرار انسحاب الجيش الأردنى من الضفة الغربية، وحاول بعض الناس المقاومة لكنهم سقطوا شهداء، ولم تمض إلا أيام واتضح حجم المأساة لأن الضفة الغربية وغزة أصبحا كلتاهما تحت الاحتلال، وفى هذه اللحظة التى كان يجرى فيها البحث عن الشعب الفلسطينى وأين مكانه، كان الشعب فى حالة مدانة لأنه كانت لديه القيادات مختلفة مثل الحاج أمين الحسينى والذى أدى دورا باهرا سنة 1936 وقاد قدر ما استطاع، إنه انحياز للمحور فى معركة قيل إنها للحرية والديمقراطية. 
وبعد عودة أمين الحسينى من الحرب ليبحث عن قضية فلسطين ودوره فيها وكان المشروع الإسرائيلى على وشك أن يبدأ قابل الملك فاروق فى محاولة لتهريبه لمصر وحتى لا يحاكم فى أوروبا بعد الاحتلال، وبعد محاولاته لإظهار وجود الشعب الفلسطينى ولتحريك همم الشعب الفلسطينى بعد الحرب وبعد الهجمة الصهيونية بالهجرة مع فلسطين، وكان يواجه موقفا صعبا للغاية لأنه إلى جانب مطارداته كانت الدول العربية لا تريد أن تظهر شكل وجه أمين الحسينى بأكثر مما ينبغى لأننا سنفقد موقفنا على الفور مع الولايات المتحدة الأمريكية وفى أوروبا لأن صوره مع هتلر كانت موجودة وكانت تستخدم ضده. 

وما إن توارى حتى ظهرت قيادات أخرى مختلفة لكن مؤتمر القمة العربى سنة 1964 أنشأ منظمة تحرير واختار الرئيس أحمد الشقيرى رئيسا لهذه المنطقة وكان محاميا وفى مرحلة سابقة التحق بالوفد السورى بالأمم المتحدة وكذلك الوفد السعودى ومثل السعودية لبعض الوقت فى الأمم المتحدة وفى ذلك الوقت لم تكن الخطوط الفاصلة بين الشام وشبه الجزيرة العربية فاصلة وقاطعة كما هى الآن، لكن أحمد شقيرى قام بأدوار للتعبير عن القضية الفلسطينية وبالتالى أصبح وكأنه المرشح الطبيعى ليكون رئيسا لهذه المنظمة فى مرحلة حشد واستعداد نفسى وتعبئة نفسية لكى تعود قضية فلسطين بوجهها الحقيقى فى المواجهة فى ذلك سنة 1964. 

ظهرت بعد ذلك جماعات فدائية تقاوم وظهرت على أطراف الأرض المحتلة خصوصا فى سوريا جماعات مقاومة وظهرت حركات مثل حركة تحرير فلسطين، وأخذت أول حرف من كل حركة ومن تحرير ومن فلسطين وعكستهم لتكون فتح وظهرت حركة فتح وظهرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وظهرت حركات أخرى، والحركة الشعبية لتحرير فلسطين كان أصلها حركة المقاومين العرب وكان يرأسها الدكتور جورج حبش وهو رجل مثقف ومناضل ومقاتل وكان على صلة بمصر، وعندما جاءت مقدمات 1967 ظهر الخيار الماركسى عند بعض الحركات الثورية العربية. 

أين فلسطين؟ 

كانت هناك التباسات كبيرة جدا فى المقاومة الفلسطينية وصانع القرار المصرى فى خريف 67 الصعب لكن هناك مسألة مهمة أين فلسطين؟، وكان يمثلها فى ذلك الوقت الأستاذ أحمد الشقيرى لكنه رجل خطيب وقانونى وقد لا يكون صالحا لهذه المرحلة خصوصا وأنه ظهرت جماعات فلسطينية خارجة على منظمة التحرير الفلسطينية وتعارض منهجها خصوصا بعد الحرب. 

وكتب أحمد الشقيرى فى مذكراته ويحسب له أنه نبه القيادة المصرية فى ذلك الوقت إن بعض الجماعات المسلحة التى تتكلم عن المقاومة هدفها التوريط ومن أول 65 و66و67 تخوض معركة سمتها معركة التوريط لأنه قصدت فيها بعض العمليات فى سوريا وشجعتها بعض العناصر المغامرة فى حزب البعث وتقوم بعمليات قد لا تكون مجدية، ولكن لتثبت وجود مقاومة كنسف طريق أو كبرى فى المنطقة القريبة من الحدود مع سوريا وهم فى ذهنهم سوريا وإسرائيل وأن هذه العمليات سوف تستدعى ردة فعل على سوريا واذا ما حدث رد فعل على سوريا فمصر ستلجأ بالتأكيد إلى مساعدة سوريا وفى ظنهم وتقديرهم، أو فى شكوك أحمد الشقيرى وهم لم يجعلوها شكوكا جعلوها يقينا وسموها حرب التوريط. 
وكانوا يتصوروا أنهم إذا ورطوا الدول العربية وإذا دخلت كل الدول العربية فى المعركة مهما كانت التكاليف إذن فهذا معناه إعادة إحياء وأعيد توضيح القوة الداخلة فستدخل سوريا واضحة ومصر واضحة وكل الدول العربية وستكون معركة كبيرة، لكن الأستاذ أحمد الشقيرى كان متخوفا من هذا الموضوع وأنا لازم أعترف إنه أعاد النظر فى هذا، وأنه عقد مناقشات كثيرة جدا مع بعض قيادات هذه الجماعات الفدائية التى تعمل فى سوريا. 

أنا أظن أن الورطة والأزمة فى حرب 67 كانت أكبر مما قامت به هذه الجماعات لأنه كانت هناك حالة تربص وسباق مع الزمن بشكل معين قبل أن تقوى الدول العربية وخصوصا مصر فى ذلك الوقت. 

طلب جمال عبدالناصر من محمود رياض وزير الخارجية أن يتحدث مع أحمد الشقيرى، وأن تطلق طلقة واحدة فى فلسطين لكى يعرف العالم أن هناك شعبا وأن هناك قضية وأن هناك مقاومة، ولما تحدث محمود رياض مع الشقيرى كان الأخير يعرف أن هذه الجماعات بشكل أو بآخر كان هدفها التوريط لكن كان هناك خلاف واضح فى الساحة الفلسطينية بين الخطباء وبين المقاتلين. 

فى ذلك الوقت جاء لى محرر شاب فى الأهرام هو المحرر إحسان بكر وقال لى إن هناك ضابطا أردنيا من أصل فلسطينى تمرد على الجيش الأردنى وشارك فى عمليات المقاومة وأنه لديه ما يريد أن يحكيه عن ما يجرى فى الأرض المحتلة، وعندما قابلته كان الرائد الشاب خالد عبدالمجيد استشهد بعد ذلك، لكننى استمعت له عندما حضر لى مع إحسان بكر واستمعت له عما يجرى وعن العمليات الفدائية التى قامت بها بعض المجموعات وأنا تصورت أن هذا يلبى طلبا كان عندنا وكنا نبحث عن جواب لسؤال معلق وهو أين الشعب الفلسطينى كرمز لقضية المقاومة؟. 

وعندما تحدثت عن هذا الشاب لجمال عبدالناصر طلب منى مقابلته وأن يستمع له وفى يوم كان عندى وطلبت منه أن يأتى معى فى سيارتى وقلت له إنه سيقابل مسئولا مصريا ولم يكن يتخيل من هو ولكن لما وصلنا للمنزل ودخلنا بالسيارة الى الباب أصيب الشاب بهستيريا وحاولت تهدئته قبل مقابلة الرئيس وعندما دخلنا ظل مرتبكا أمام جمال عبدالناصر لفترة ثم بدأ يحكى وبدأ جمال عبدالناصر يسأله وهو يجيب ويتحدث عن حركات مقاومة كثيرة وموجودة ويتحدث عن مواقع فى الخليج كان جمال عبدالناصر يعرفها. وظهر لى أن جمال عبدالناصر يرى فى هذا الشاب إجابة عن سؤال يحيره وقال له ابقى على اتصال مع هيكل.. 

عاد بعد ذلك خالد الحسن عضو قيادة فى حركة فتح ومعه أبواللطف السيد فاروق قضومى، وأبوإياد صلاح خلف وجلست معهم واستمعت لهم كثيرا وقالوا لى عن ياسر عرفات، وأنا حتكلم عن ياسر عرفات وهو رجل حيرنى على أى حال، وجاءوا لى بياسر عرفات فى الأسبوع الذى تلاه وكانت أول مرة أراه فيها، وقلت وقتها لجمال عبدالناصر أنى رأيتهم كذا مرة وأنا أتصور أنه قد يكون مفيدا أن يراهم خصوصا وأنه كان يبدى اهتماما كبيرا بجماعات المقاومة، وقال لى إنه من الغريب أن تتخذ كل الجهات الرسمية فى مصر مواقف مختلفة من فتح والمخابرات كانت تعتقد أن فتح لها اتصالات بالإخوان المسلمين وهذا صحيح، وفتح كانت تعتقد أنهم كانوا العناصر التى تساعد على التوريط بشدة. 

سد الثغرة 

وإلى أن حدد الموعد والذى كان فى العاشرة صباحا فى يوم من الأيام أواخر سبتمبر سنة 1967 وتجمعوا فى مكتبى فى الأهرام فى وسط البلد فى ذلك الوقت فى شارع الساحة، وتجمع كل من ياسر عرفات وأبوإياد، وأبواللطف وخالد الحسن وأبوالهول. 

هم كانوا يعرفون أنهم سيقابلون جمال عبدالناصر لكنهم غير متصورين أن هذا سيحدث لكنهم سيقابلونه ببساطة مثل الرائد خالد عبدالمجيد قابله، وهم قيادات حركة فتح ثم تحركنا وتكدسنا فى سيارتى وسيارة أخرى تابعة للأهرام وقلت لهم: على أى حال ستقابلون الرئيس وأظن أننى بعد أن قلت لهم أنهم سيقابلونه ران الصمت وشعرت بنوع من الرهبة ووصلنا وكانت المقابلة. 

ولم يخف الرئيس عبدالناصر أى شىء وقال أريد أن أقول لكم شيئا بوضوح إن كل الجهات الرسمية فى مصر ضدكم ولا يثقوا فيكم، لكن إزاء طلبى وهو سماع طلقة فى فلسطين كل يوم فأنا مستعد أن آخذ أى مجازفة، ثم تحدثوا عن ياسر عرفات ودوره البارز فى حركة المقاومة ونفوا أن يكونوا إخوانا مسلمين، وقال ياسر عرفات إنه كان متطوعا فى الجيش المصرى سنة 1956 وكان هناك كلام عاطفى ثم انتقلنا إلى ما يمكن عمله. 
ثم تحدثوا عن الأوضاع فى فلسطين وما الذى يستطيعون القيام به وما يقدموه لمصر والدول العربية وأظن أنه هناك بناء لقاعدة لجسر من الثقة بنية فى هذه المقابلة، وفى هذه المقابلة أيضا طلب منى الرئيس أن أقدمهم للواء محمد أحمد صادق مدير المخابرات العسكرية فى ذلك الوقت، وأنهم سيقابلونه وهناك مساعدات مالية وعسكرية ستقدم لهم وهناك طلبات تدريبية سنوفرها لهم، ورتبت مع الفريق صادق لكى يقابلوه وأظن أن المسائل صارت بطريقة مرضية للغاية وأظن أنه ظهر أثر ما كان فى القاهرة على الموجود فى فلسطين، وأخذوا أسلحة وبدأوا فى التدريبات وحصلوا على المعونات بقدر ما تم الاتفاق عليه مع الفريق صادق. وظهرت فلسطين فى حيوية أكثر مما كانت. 

فى ذلك الوقت كان أحمد الشقيرى وأنا بأثر رجعى أعتذر له حيث كانت هناك رغبة وهم يعملون بالمقاومة، كانت العلاقات فى الوضع الفلسطينى غير مستقر لأن هناك قيادة سياسية تتحدث، فمصر هى التى أنشأت منظمة التحرير أو على الأقل اقترحت إنشاءها وهناك عمل عسكرى مصر تساعده والمنطق يدعو للاندماج، حتى أن الأستاذ شقيرى كتب فى مذكراته أنه كان هناك مؤتمر وطنى لمنظمة التحرير، وأنا أعتذر للشقيرى لأنه رأى أن تكون منظمة التحرير هى حركة فتح، لكن الشقيرى كتب فى مذكراته أنه قرأ المقالة فى الأهرام وفهم الرسالة وقدم استقالته ودخلت فتح منظمة التحرير وأصبحت الجبهة السياسية والعسكرية جبهة واحدة وأظن أنهم أرادوا فاعلية هذا وقمت ودخلوا فيما يسمى بمعركة الكرامة والتى أراد فيها الجيش الإسرائيلى أن يضرب قواعد الفدائيين فى الضفة الشرقية بالأردن ولاحظ الإسرائيليون ظهور حالة جديدة على المقاومة الفلسطيينة وأن هناك معسكرات تقام على الضفة الشرقية أمام جسر الملك حسين وأمام جسر الملك عبدالله وأن هناك فى هذه المنطقة حشودا فدائية بشكل أو بآخر وبدأوا يتربصون به وبدأوا يستعدون بضربها مبكرا، ويجب أن أسلم هنا أن الملك حسين والجيش الأردنى دخلا المعركة والتى كانت بغرض تصفية الوجود العسكرى الفدائى الفلسطينى فى هذه المنطقة شرق الأردن وهو يحتشد والجيش الأردنى وكنا أمام شىء بعد معركة الكرامة والتى حدث فيها عدة أشياء منها اعتراف مصر بمنظمة التحرير وحركة فتح أظهر ياسر عرفات بطريقة واضحة وأظهر المنظمة بطريقة مقاتلة وهذا عالم عربى متشوق جدا لفعل وتحريك قضية فلسطين وعندما لم تحركه قضية أخرى أضفى على فلسطين شيئا آخر وقد أرسل لى الرائد خالد عبدالمجيد رسالة عن معركة الكرامة وكان يحكى فيها عن أعاجيب ثم استشهد بعدها. 

وهم الدولة 

مرة واحدة ظهرت قيادة فلسطينية وظهر مرة واحدة رجل يدعى ياسر عرفات ومرة واحدة تسابق الجميع عليها بإعطائها تبرعات أو سلاحا وذلك بعد المثل الذى ضربته مصر والحاجة الشديدة لمقاومة فلسطينية ومع التكريم المطلوب للشعب الفلسطينى وكنت قد قلت للرائد خالد قبل وفاته عندما سألنى عن رأيى فى المعركة فقلت له إن المعركة هائلة لكن أكاد أرى بعينى مزالق أخاف منها جدا ولما أرجع وأرى ماذا قلت له أجد صورة غريبة وقلت له أنا أرى ما فعلتوه وهو بكل المعايير له قيمة لكننى أخشى عليكم لأنكم أصبحتم تبالغون فى المعارك ومعركة الكرامة وغيرها جيدة للغاية لكننى أخاف جدا من وهم أنكم تتصورون أنه فى مقدوركم تحرير فلسطين وأخاف أن يخطر بخيالكم ما يتعدى قدراتكم وأخاف من الإعلام الزائد عن الحد ثم ظهرت له صورة فى معركة الكرامة حصل انفجار فى المشاعر العربية وفى الصور، وقلت له إننى أخاف من الانفلات العاطفى وأنه محظور. 

لقد أحببت ياسر عرفات ولا أنكر أنه فى بعض المرات كنت أختلف معه بشدة وبوضوح لكننى التقيته فى آخر لحظة فى حياته وفى كل الأحوال هذا الرجل أعطى للقضية الفلسطينية وجها وملامح وصوتا للتعبير فى وقت كانت تحتاجه بقوة. 

وكانت هنا أخطاء ولما أجلس وأعرف كيف تطور ياسر عرفات وكيف حيرنى، ولقد قدرته كثيرا بقدر ما استطعت لكن فى النهاية صحفى وقريب من الحوادث لكنى غير موجود فى جريدتى بالدرجة الأولى لكنه حيرنى بمعنى أننى قدمته لجمال عبدالناصر ورأيته كيف يتحدث مع جمال عبدالناصر وبعدها بفترة قدمته فى موسكو بطلب من جمال عبدالناصر لرئيس الوزراء السوفييتى كوسيجن ولما عرف من هو بعد إن كان يعتقد أنه من الوفد المصرى وأول ما عرف لم يخبئ وقال لى كوسيجين إن هؤلاء أناس من المغامرين وأن الاتحاد السوفييتى يتردد قبل صنع علاقة معهم وعلى أى حال صافح ياسر عرفات ونشأت علاقة مع الاتحاد السوفييتى. 

وبعد سنة واحدة قال لى كوسيجن بنفسه هل صحيح أن ياسر عرفات أقوى رجل فى العالم العربى؟ وقال لى إنه قال على نفسه كذلك وأنه قال لمازروف هذا الكلام وكان الأخير وقتها فى المكتب السياسى السوفييتى مسئول عن حركات التحرير الوطنى وكنا قد قدمناه لمازروف وقال له إنه أقوى رجل فى العالم العربى لسبب واحد هو أن قضية فلسطين تجعل له حزبا فى كل عاصمة عربية وهو يستطيع أن يحرك هذه الأحزاب حين يشاء على أن أى زعيم عربى يستطيع أن يتحكم فى عاصمة بلده وعاصمة أو اثنين آخرين، لكن ياسر عرفات يستطيع أن يفجر الموقف فى كل العواصم العربية، وقد استغربت ذلك عندما قال لى كوسيجين ذلك ولكننى لم أعلق، لأنه لما تقول إنك أقوى من أى زعيم عربى فى ذلك الوقت هذا خطأ لأنك موجود فى منفى بعيدا عن بلدك وتعادى كل الدول غير أن هذا ليس صحيحا، فخارج ولاية وسلطة الدول أى أحد يتكلم عن تأثير ووصول فى هذه الدول تكون هشة للغاية وفى النهاية تبقى قوة الدول. 

أتذكر مشهدا آخر مع الملك حسين وكان فى خلافاته مع ياسر عرفات إلى آخره اضطر تحت ضغط القمة العربية أن يسلم عليه ويظهروا كما لو كانا أصدقاء وبعد ذلك أشدت بالصورة وكنت وقتها وزير الإعلام أمام الملك مع الرئيس ساهى الأدغم الذى كان رئيس اللجنة والتى أنشأتها القمة العربية لمتابعة العلاقة بين الملك والمقاومة الفلسطينية ورئيسها الباهى الأدغم وأنا عضو فيها كوزير إعلام مصرى ومعى الفريق محمد أحمد صادق الذى كان يمثل الناحية العسكرية وكنت أمثل الناحية السياسية، وعندما قلت للملك أنه شىء جميل أن تسلم على ياسر عرفات فرد قائلا ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدو له ما من صداقة بد وهو بيت شعر للمتنبى. 
وفى مرة ثالثة مع الرئيس صدام حسين فى بغداد فقد دخلت عنده مع السيد طارق عزيز رئيس الخارجية العراقى فى ذلك الوقت ووجدت عنده ياسر عرفات لكنه كان انتهى من الموعد وخارج فقلت له إن شاء الله خير، وكان لدى صدام طريقة فى الكلام حيث قال لى يا أبوعلى هؤلاء أناس أصغر من قضيتهم، وقال لى إنه ستثبت الأيام. 

أنا كنت أعرف أن هناك مواقف طويلة لا تنتهى ولما ذهب ياسر عرفات وأنا أعتبره أكبر أخطائه إطلاقا عندما قبل اتفاقية أوسلو وهى اتفاقية تؤجل القوائم الرئيسية لشعب فلسطين والقضية الفلسطينية وهى المستوطنات والقدس والحدود وحق العودة بالنسبة للاجئين ومعنى تأجيل هذه القضايا يعنى أنه القضية الفلسطينية كلها رحلت إلى مستقبل نحن لا نعرف موازين القوة فيه كيف تكون. 

ولما ناقشه ياسر عرفات فيها ظهر عليا وكنت قد ألقيت محاضرة بالجامعة الأمريكية فى القاهرة فى ذلك الوقت وقلت: أريحا وغزة أولا وأخيرا، فغضب منى وجاء لى فى زيارة له للقاهرة فى مكتبى فقلت له إننى قلت فى المحاضرة ما أعتقده وأنا أخشى أنك لن تأخذ شيئا، وحكى لى لماذا قبل أوسلو وما بعدها ويحكى لى أن الملك الحسن ملك المغرب سوف يتعامل مع أناس يستطيعون تحويل قاطع الطريق إلى إبليس فى 24 ساعة بالآلة الإعلامية المهولة والموجودة عندهم، وأنا أقول أن ياسر عرفات لم يكن قاطعا للطريق وكان رجلا مقاوما وكان رجلا يقود ثورة ولكن استهواه أن يتحول لنجم فى الإعلام العالمى وهذا عاش لأيام قليلة جدا ثم انطفت الأنوار كلها، وجاءت أوهام كثيرة. 

كنت أذهب لقصر الأندلس لكى أراه وقد طرأت على هذا الرجل الثائر أشياء غريبة جدا بالمصادفة وأشياء كنت أخاف عليه منها وقد كنت أعتقد أن قصر الأندلس الذى كان ينزل فيه بمصر الجديدة ليس لائقا بوظائفه وهو قال لى مرة إنه لا يوجد شىء للإفطار وأن الموجود جبن وزيتون فقط وإنه كان عنده أسامة الباز قبل حضورى بيوم وأن الباز نزل فندقا قريبا واشترى طبق فول واشترى أشياء أخرى، فقلت له إن هذا لا يهمك فأنت رجل ثائر فقال لى وأنا رئيس دولة أيضا. 
أريد القول إن هناك من يطرأ على الثوار لما يأتى موضوع السلطة والثورة قبل الآوان ووهم الدولة عندنا فى العالم العربى ووهم الحكم والسلطة وحتى على الثوار يريدون أشياء ليس لها لزوم فى اعتقادى لأنه لما كان عرفات يذهب ليدخل فلسطين أول مرة ترجيته بألا يدخل فلسطين بعد اتفاقية أوسلو وأنه إذا دخل فلسطين سيصبح أسيرا لفلسطين وستبقى رهينة عندهم، فقال لى غريبة أن رأيك يخالف رأى كل الزعماء العرب، فقلت له أتريد رأيى بصراحة فقال لى نعم فقلت له يريدون أن يخلصوا منك وطلبت منهم أن يظل خارجا وأن يطلب إدراة فلسطينية تدير من الداخل من المناطق التى تزعم إسرائيل أنها ستعطيها لكم لكنه كان متعجلا جدا واستقبل فى غزة استقبالا هائلا. 

لما حدثنى بعدها بيومين ليعرف رأى فى الاستقبال فقلت له إنه كان هائلا لكن لم يعجبنى حرس الشرف، فقال لى أنت لا تريد أن تقبل أننى رئيس دولة. 

أعتقد أن ياسر عرفات تعرض لعمليات نصب صريحة ففى يوم من الأيام دخل وقال لى إنه معه الدليل الحاسم الذى يدين الملك حسين والحكومة الأردنية وأعطانى ملفا من 30 أو 35 وثيقة فعندما نظرت للملف فقلت له وهو فى مكتبى فقلت له إنها مزورة ولا يمكن أن يتم التسجيل بأوراق رسمية العلاقة بين الأردن وإسرائيل وليس بهذه الفجاجة، فقال لى: إنه ليس مزورا وأنهم دفعوا فيه 300 ألف جنيه استرلينى، فقلت له إن هذه الوثائق أمامى وأنا أثق أنها مزورة، وبالتالى أنا أمام رجل أمانيه تسبق قدراته وطموحه يسبق وسائله وهو يشعر أن هذا ملف القضية. 
احتفظ أبوعمار لنفسه بقضايا مهمة للغاية فاحتفظ بالمال والسلاح وبالإعلام وبالتالى أصبحت هناك تناقضات لا تتحملها الثورة الفلسطينية فى هذه اللحظات لكن يبقى دائما وهو رجل عزيز عليا وذكراها لا تزال عزيزة أيضا.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق